جمال نصار

الأخلاق وبناء الإنسان 1/2

الخميس، 15 سبتمبر 2011 03:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الإنسان الفرد هو أساس الأسرة والمجتمع والإنسانية جمعاء، وطبيعى أن يتوجه الدين الإسلامى، من خلال نظرة شمولية دقيقة، إلى بناء الانسان بناء محكمًا دقيقًا ليكون على الطريق القويم الصحيح، وبما يعنى صلاح الأسرة والمجتمع ككل.
ولأن البناء الإنسانى لا يعنى الاتجاه إلى الصورة الظاهرة، بل إلى الصورة الباطنة التى تؤثر وتفعل فعلها فى العمل والمعاملة، فقد كان الاتجاه منصبًا على ضرورة بناء النفس الإنسانية، وبما يجعل الخلق حسنًا.. ولا شك فى أن تكوين الخلق الحسن يعكس بشكل مباشر وأكيد تصرفات وأعمالا حسنة عمادها البناء والإعمار فى كل مكان وزمان.
ومثل هذا البناء الكبير والشامخ فى النفس البشرية لا يمكن أن يبدأ من فراغ أو ما يشبه الفراغ، فقد هيأ الإسلام النفس البشرية لتكون تربة صالحة لزرع جديد أصيل، كما عرّف الإنسان على صورته باطنها وظاهرها، ليكون خبيرًا بكل أبعاد النفس، وكيف يتم التهذيب والترويض.. بعد ذلك وضع لمكارم الأخلاق صورة متكاملة متناسقة، من خلال ما جاء فى القرآن الكريم، وفى السنة الشريفة، فماذا تقول هذه الصورة..
فى الحديث الشريف أن «البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك»، قاعدة تصلح فى كل زمان ومكان، وكل إنسان يعرف أن القياس على هذه القاعدة يعنى معرفة الخير ومعرفة الشر بشكل مباشر.
وفى الحديث الشريف أيضًا «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده». بيان يوجز أشد الإيجاز، ويفتح أفقًا رحبا من الفهم والتدقيق والمراجعة فى كل أمر، وفى مثل هذا الأفق الرحب يعرف الإنسان أن حسن المعاملة أساس حياته وفعله وتصرفاته، والتقوى لا تكون مع الأذية، وكل تصرف حسن لا ينفصل عن المعروف مهما صغر، قال النبى «صلى الله عليه وسلم»: «لاتحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق»، وقال: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله»، وقال: «وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن المنكر صدقة»، و«كل معروف صدقة».
هذه القواعد تعتبر ميزانًا صادقًا ودقيقًا أمام الإنسان المسلم ليرجع إليه فى كل وقت، ليعرف ما هو التصرف الحسن، وما هو التصرف السيئ.. ولا مجال هنا للقول: وما هو قدر المعروف المطالبين به؟ فالباب مفتوح أمام كل معروف مهما صغر، ومن لم يجد شيئًا يعطيه أو يفعله، فالكلمة الطيبة صدقة.
ومن جوانب هذه الصورة المشرقة فى حُسن الخلق، نقرأ ما جاء فى القرآن الكريم على لسان لقمان يوصى ولده: «يَا بُنَىَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ المُنكَرِ واصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17) ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ولا تَمْشِ فِى الأَرْضِ مَرَحًا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) واقْصِدْ فِى مَشْيِكَ واغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ» لقمان: 17- 19. معالم واضحة بيّنة لحسن الخلق، وإذا كانت الصلاة تأتى فى وصية لقمان أولاً، فذلك أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وتقود بشكل طبيعى إلى حسن الخلق، من هنا كانت المعالم الأخرى لاحقة، حيث الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتعود الصبر على الصعاب مهما اشتدت لأن ذلك من الأمور التى يجب الثبات بها.
ومن الأخلاق التى يجب التحلى بها عدم التكبر والإعراض عن الناس، والابتعاد عن البطر والخيلاء والإعجاب بالنفس والمباهاة بمناقبها، ومنها التوسط فى المشى بين الإبطاء والإسراع، ومنها خفض الصوت.. هذه المعالم والقواعد تبنى الإنسان بناء لا مثيل له، ليكون عنصرًا فاعلا فى بناء نفسه ونهضة وطنه وأمته.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة