فى أعقاب إنزال علم إسرائيل من سفارتها بالجيزة ورفع العلم المصرى مكانه ومطالبة المتظاهرين بطرد السفير الإسرائيلى من مصر وإلغاء اتفاقية «السلام»..إلخ شعرت إسرائيل بالقلق خشية أن يستجيب المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم فى مصر لمطلب المتظاهرين، فيثبت أنه ديمقراطى شعبوى وبالتالى تضيع مصالحها. ومن هنا ذكرت صحيفة هآرتس العبرية أن إسرائيل عقدت اتفاقية مع دكتاتور اسمه السادات وحرص عليها دكتاتور آخر اسمه مبارك «31 أغسطس الماضى».. والمعنى أن المحافظة على الاتفاقية يتطلب وجود حاكم ديكتاتور يسهل التفاهم معه حول تحقيق المصالح لأن الدكتاتور ينفرد بالرأى دون مراجعة مجالس برلمانية أو هيئات استشارية. ومن ثم دعت الصحيفة حكومة إسرائيل لإلغاء اتفاقية «السلام» المعقودة مع السادات بدلا من انتظار إلغائها من جانب مصر حتى يتبين لإسرائيل حقيقة الحكم فى مصر وهل هو دكتاتورى أم ديمقراطى حتى يمكنها أن تحدد سياستها ومواقفها.
صحيح أن حكومة إسرائيل لم تستجب لأفكار صحيفة هآرتس وأعلنت أنها تتمسك بالمعاهدة، لكن المناقشة التى أثارتها الصحيفة تؤكد أن الغرب الرأسمالى - الإمبريالى وإسرائيل جزء منه يفضل التعامل مع حاكم ديكتاتور يمكن أن يحقق مصالحهم دون خوف من معارضة شعبية تتمثل فى برلمان منتخب.
وقد تنبه لهذه الحقيقة كاتب عربى قديم وهو شبلى شميل فى أواخر القرن التاسع عشر حيث قال فى معرض التفرقة بين حضارة الغرب وحضارة الشرق: إن الغرب تحكمه قوانينه.. والشرق يحكمه حكامه. وكان يعنى بذلك حكم السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى الذى ألغى الدستور الذى كان قد أصدره فى عام 1876 بعد عامين دون أن تبدى حكومات دول الغرب الأوروبى انزعاجا.. وأكثر من هذا فعندما وقعت مصر فى مشكلة الديون زمن الخديو إسماعيل وترتب عليها التدخل فى شؤون مصر كما هو معروف وأصبح صندوق الدين يدير مالية البلاد «1876»، حاول الخديو البحث عن طرق للخروج من المأزق للتخلص من هذا التدخل، فطلب من مجلس شورى النواب الذى كان قد تأسس فى 1866 أن يناقش ميزانية البلاد للبحث عن وفورات مع أن المجلس لم يسبق أن ناقش مثل هذه الأمور، فما كان من حكومتى إنجلترا وفرنسا إلا أن أرسلتا برقية للخديو تحتجان على قيام المجلس بمناقشة هذا الأمر الذى هو من اختصاص صندوق الدين، مع أن مناقشة المجلس للميزانية من صميم الديمقراطية، والمعنى أن مناقشة الأزمة المالية ديمقراطى فى مجلس نيابى قد ينتهى إلى إيجاد حلول للأزمة فتنتفى أسباب التدخل وبالتالى فمن صالح الدائنين أن يكون الحاكم ديكتاتورا ينفرد بكل الصلاحيات من خلال الضغط والتهديد مما يوفر للدول الإمبريالية المناخ اللازم للسيطرة.
وعلى هذا يخطئ من يصدق أن الولايات المتحدة الأمريكية أو أى بلد من بلاد الغرب الأوروبى الرأسمالى الإمبريالى يسعى لتحقيق الديمقراطية فى بلاد الشرق العربى أو الإسلامى أو بلاد العالم الثالث اصطلاحا لسبب بسيط وجوهرى وهو أن الديمقراطية تقوم على الحوار والجدل عن طريق جماعات الضغط لتحقيق المصالح كما يحدث فى بلاد هذا الغرب الأوروبى - الأمريكى وهذا مشوار طويل وقد لا ينتهى بتحقيق المآرب.
ومع هذا فإن دول هذا الغرب اللئيمة التى نأكل على موائدها تطالب حكامنا بالإصلاح الديمقراطى من باب التهويش وإخافة هؤلاء الحكام ببعبع الديمقراطية فتكون النتيجة أن يرتمى حكامنا تحت أقدامهم حفاظا على كرسى الحكم.. ولعل ما يزعج إسرائيل وحكومات الغرب من الربيع العربى أن تنتهى الثورات إلى قيام حكم ديمقراطى حقيقى يعرقل المصالح.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محسن
وحشتهم يا عبد الناصر