رفيق جريش

من أجل وثيقة إيمانية لمصرنا

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011 11:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ونحن على مشارف إعلان مواد أو مبادئ دستورية توافق عليها الأغلبية وتكون ملزمة للجميع، أدعو لاستكمال هذه المبادئ بإعلان آخر مكمل ولا يقل أهمية عن الأول وهو "إعلان مبادئ روحية" للدولة المصرية؛ فالمصرى منذ الزمن السحيق هو إنسان مؤمن والدين يلعب دورًا محوريًا فى حياته، كما أن الله عز وجل حاضر وموجود دائمًا للكل، للمسيحى كما للمسلم، فعلينا أن نعترف بأن أية محاولة لفصل الدين عن الإنسان المصرى هي ضرب من الخيال ومستحيل، ولكن علينا أيضًا أن نعترف بأن البعض من هنا أو من هناك يتعصب لدينه لدرجة المغالاة وإقصاء الآخر، وهذه الأفكار لها أسبابها التاريخية والسياسية والدينية أيضًا، ولكنها غريبة عن المعدن الأصيل للشعب المصرى، فتحت جلد كل مسلم هناك دم مسيحى وتحت جلد كل مسيحى هناك دم مسلم، وذلك بفعل التاريخ الطويل (1500 سنة تقريبًا) والعيش المشترك والأرض الواحدة والنيل الذى يروى الجميع، فكثير من القيم الروحية هى قيم مشتركة ولا يستطيع أن يختلف عليها اثنان، وهذا ما علينا أن ننظر إليه وننميه.
فالمصرى لن يقبل بدولة خاوية من الله على نمط بعض الدول الأوروبية، وفى نفس الوقت لن يقبل أغلب المصريين بدولة دينية على النمط الإيرانى أو السعودى، فمصر لها خصوصية خاصة، والمصرى له طابعه الخاص الذى لن يستطيع أحد أن يلبسه ثوبًا غير ثوبه ولا إيمانًا غير إيمانه ولا قيمًا غير قيمه ولا سلوكًا غير سلوكه، فوطن مثل مصر الذى هو مهد الحضارة بل كل الحضارات، كان دائمًا الجسر الذى يوحد الجميع، الشمال بالجنوب والشرق بالغرب. وبفعل تاريخه، قدر له أن تكون له الريادة فى المنطقة. ولعل أكبر دليل على ذلك فى تاريخنا الحديث جدًا هو ثورة 25 يناير 2011 التى يقف العالم إلى اليوم مبهورًا بها رغم كل الشوائب المتعلقة بها.

فوطن يمثل هذا المخزون الحضارى والتنوع الثقافى وأيضًا هذا العدد من السكان (85 مليون نسمة و12% من السكان مسيحيون)، لن يعيش إلا فى سلام اجتماعى وانسجام بين جميع مواطنيه.
تزدحم الساحة المصرية بتعبيرات ومصطلحات سياسية لا أعتقد أنها تعبر تمامًا عن المعنى المتداول فى المجتمع المصرى، على سبيل المثال تعبير "الليبرالية"، فهناك من يذهب بفهم هذه الكلمة على أنها الحرية المطلقة لدرجة الإباحية، وهذا قطعًا فهم غير صحيح، أما مصطلح "الاشتراكية"، فهناك من يفهم هذه الكلمة على أنها تأميم المؤسسات وسيطرة الدولة على مقدرات الأمور، وأنها تعريف مستتر للشيوعية، وهذا أيضًا فهم غير صحيح، ثم تأتى كلمة "العلمانية"، فهناك من يفهمها على أنها تأميم إيمان الناس وتفريغ المجتمع من العقائد، وهناك تعبير آخر نستخدمه كثيراً فى أيامنا هذه ، ألا وهو "مدنية الدولة"، فهناك من يفهم هذا التعبير على أنه فصل الدين عن الدولة وألا يكون للدين أية مكانة، وتنسحب على ذلك تعبيرات أخرى مثل الرأسمالية والإسلاميين والأقباط والمحافظين الجدد وإلى آخره من التعبيرات والمصطلحات التى لا تعرف بدقة وتسبب كثيرًا من اللبس، وذلك للأسباب الآتية:
1- خبرات سيئة سابقة مثل الشيوعية فى الاتحاد السوفيتى القديم الذى تحول من حكم الطبقة العاملة إلى دولة قمعية يحكمها الأمن وطبقة ديكتاتورية حاكمة.
2- التجربة الناصرية التى أممت كثيرًا من المؤسسات الرأسمالية الوطنية، وما نتج من ذلك من تفكك أسر وهروب رأس المال وهجرة العقول المصرية، فأصبح الناس يكرهون كلمة "اشتراكية".
3- بالنظر إلى بعض الدول التى أفرغت مجتمعها من الله، فأصبحت الحرية الشخصية أهم من مبادئ المجتمع وأصوله، فكره الكثيرون كلمتى "الليبرالية" و"العلمانية" وتعبير "مدنية الدولة".
4- وعندما كره الناس الرأسمالية وتوحشها واستغلالها للعمال وتقديم الفتات لهم، مع غياب العدالة الاجتماعية لصالح رجال الأعمال والمؤسسات الكبرى التى تزداد غنى على حساب الطبقتين العاملة والمتوسطة.
5- كذلك وجود تنوع من التعريفات داخل كل تعبير سياسى مثل "الليبرالية المحافظة" أو "العلمانية المؤمنة" (القريب من التعريف الكاثوليكى وهو أن العلمانى هو الذى ليس كهنوتيًّا)، هذا التنوع أدى إلى لغط فى المفاهيم خاصة عند الناس غير المطلعين على السياسة بالمفهوم الأكاديمى للكلمة، وإلى هنا أنا أزعم أن هذه التعبيرات قد فقدت معناها، وللمصرى بنوع خاص لم تعد تعنى له شيئًا خاصة مع ظهور تعبيرات خاصة بالمجتمع المصرى بنوع خاص والعربى بنوع عام مثل:
- الإسلاميين: ومرة أخرى ندخل فى لغط أو بلبلة، من هم الإسلاميون؟ هل هو كل مسلم من المسلمين؟ هل هم الإخوان المسلمون الذين يعبرون عن الإسلام السياسى؟ أم هم الصوفيون عدوهم اللدود؟ أم الجماعات الجهادية الإسلامية التى ترى تغيير "المنكر" بيدها فولدت الإرهاب؟ أم هم السلفيون الذين ظهروا بعد الثورة ولا أعلم أين كانوا، مع العلم أن كل مسلم يعتبر نفسه سلفيًّا؟ أم أن الإسلاميين هم الذين يعبرون عن الإسلام الوسطى الذى يمثله الأزهر الشريف؟ ومرة أخرى، ما تعريف كلمة "وسطي"؟ وما هى نقطة الوسط التى يقف عندها؟ وهل هى فى التفسير أم فى التطبيق أم فى استنباط أحكام تنفع هذا العصر؟
- الأقباط: من هم الأقباط؟ هل هم المصريون كلهم مسيحيين ومسلمين؟ هل الأقباط هم المسيحيون فقط؟ هل هى جماعة اثنية أم صاحبة بعض المطالب التى لم يستجب لها؟ وماذا عن الميول السياسية للأقباط؟ فمنهم من هو وفدى ومنهم من هو اشتراكى ومنهم من هو علمانى وغيرها من التعريفات. وماذا عن المسيحيين الذين ليسوا أقباطا؟
مرة أخرى أزعم أن هذه التعبيرات متشعبة وغير دقيقة، وتسبب لغطًا كبيرًا، وأنا هنا لست فى مجال بحث عن تعريفات سياسية جديدة، حاشا، ولكنى أنطلق من مبدأ كلنا كمصريين نعرفه وهو أن المصرى بطبيعته إنسان مؤمن وأن الدين يلعب، كما لعب فى الماضى السحيق إلى يومنا هذا، دورًا مهمًا فى حياة المصرى، فالدين بالنسبة للمصرى ليس فقط الإيمان، بل يشمل السلوك اليومى والعادات والتقاليد الاجتماعية، فمن الصعب فصل الدين عن الإنسان المصرى، كما هو صعب فصل الدين عن الدولة بمعناه الفرنسى؛ ولكن هذا ليس معناه أنى أدعو لدولة دينية، ولكنى أدعو "لدولة مؤمنة" أى:
1- لا تفريغ للمجتمع من "الله" الذى يعبده الجميع مسلمين ومسيحيين ويهودًا.
2- بل ترسيخ المبادئ الروحية المشتركة فى جميع الأديان، والتى يؤمن بها الجميع، حتى ننمو بمجتمعنا نموًّا صحيحًا بعيدًا عن الانغلاق والتعصب وإقصاء الآخر.

وفى الوثيقة "الإيمانية" المشتركة التى أدعو إليها، علينا أن نؤكد فيها عدة مبادئ يتوافق الجميع عليها:
1- إن صاحب السلطة فى مجتمعنا المصرى هو الشعب وليس الحكام من ناحية أو رجال الدين بتفاسيرهم المختلفة من ناحية أخرى، فعلينا أن نحقق هذه السيادة بل نربى المجتمع على ذلك.
2- إن دور الدين هو لتقوية وقيادة ضمير الإنسان مع إعمال العقل وليس الاكتفاء بالنقل أو تبجيل.. أو التقليد، وبالتالى تترسخ فى المجتمع القيم الأخلاقية العليا ويعمل الشعب بذاته على تحقيقها واحترامها.
3- إعلاء قيمة الحرية والإيمان بها والوعى بدورها فى تحقيق تقدم الإنسان والمجتمع المصرى، والحرية الحقيقية هى فى احترام حرية الآخر.
4- إعلاء سيادة القانون، فيكون فوق الجميع، والتخلص نهائيًّا من المحسوبية والأساليب العرفية (فى أحداث فتنة طائفية) فالجميع أمام القانون سواسية.
5- العمل سريعًا على توعية مجتمعنا المصرى بعدم التمييز بين مواطنيه بسبب الدين أو اللون أو الجنس أو العرق أو أى تمييز آخر، فالجميع مواطنون مصريون متساوون أمام القانون ولهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
6- على الخطاب الدينى أن يكون خطابًا واعيًا يعمل على احترام عقل المتلقى وواقعه ويواكب المتغيرات الحديثة دون المساس بالعقائد الدينية.
7- ألا تستغل منابر المساجد أو الكنائس أو المنابر الفضائية فى إحداث فتنة طائفية أو فى هجوم خطباء الدين على دين الآخر، بل العمل على ترسيخ الوحدة الوطنية بمعناها الحقيقى إذ إن الدين لله والوطن للجميع.
8- العمل على ترسيخ القيم المشتركة والموجودة فى جوهر كل دين مثل الحرية الإنسانية – حب الوطن – العدالة الاجتماعية – الضمير المهنى – الالتزام الشخصى– وما إلى ذلك من المبادئ الروحية التى يحتاجها مجتمعنا.
9- توجيه الزكاة أو العشور لأعمال خيرية وتنموية مشتركة تخدم الفقراء والفئات المهمشة والمحرومة والعمل على الارتقاء بهم .
إن هذه المبادئ قد يضاف إليها مبادئ أخرى، ولكن المهم أن الجميع يتوافق عليها. فاذا كانت المبادئ الدستورية هامة وعلى المجتمع أن يتوافق عليها، أرى أيضًا أن المبادئ الروحية والإيمانية لا تقل أهمية عن المبادئ الدستورية خاصة فى هذه المرحلة المفصلية فى تاريخ مصر، فقد نحتاج أن يتوافق عليها ممثلو الأديان والجماعات الدينية المختلفة الموجودة على أرض مصر لتكون ميثاق شرف إيمانى (إذا جاز القول) لا يحيد عنه أحد حتى نستطيع أن نصل بمجتمعنا إلى بر الأمان.





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى

كلام جميل

عدد الردود 0

بواسطة:

اللهو المختفي

كلام جميل

عدد الردود 0

بواسطة:

ما هر

اجا بة سؤال سيادتك من هم الاقباط

عدد الردود 0

بواسطة:

lماجد

من فين الـ 12 % دي ؟

عدد الردود 0

بواسطة:

مراد اسكندر

وماذا نفعل فى هؤلاء ؟؟

عدد الردود 0

بواسطة:

Ahmed Al-Nahas

إلى المتبرع بتعريف الأقباط (تليق رقم 3)

عدد الردود 0

بواسطة:

كريم حبيب

الوثيقة الايمانية

عدد الردود 0

بواسطة:

حسناء عبد العزيز

اوهام قس مصرى

عدد الردود 0

بواسطة:

محسن عبد السلام منتصر

الكاتب لم يتكلم الا عن الحريه والمساواه والقيم الانسانيه

عدد الردود 0

بواسطة:

حسين على

ولا إيمانيه ولا فوق ولا حتى تحت دستوريه

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة