ما حدث أمام السفارة الإسرائيلية من هدم للجدار الذى تم بناؤه لحماية السفارة أمرا كان متوقعا لمن يستطيع تحليل الأمور، ولديه نظرة ثاقبة لرؤية ردود الأفعال، لاسيما فى ظل ما تشهده مصر من أوضاع غير مستقرة بعد ثورة يناير، فالذى أصدر قرار بناء هذا الجدار لم يتوقع النتائج التى قد تترتب على قراره، وبالتالى فهو من وجهة نظرى المتواضعة قرار غير مدروس، مع شديد احترامى للجهة التى اتخذت هذا القرار، فالقرار الذى لا يتوقع رد فعل الشارع، لاسيما فى هذه الأيام فهو بالفعل قرار خاطئ، فكان من الممكن حماية السفارة الإسرائيلية كما حدث من قبل من خلال رجال الشرطة العسكرية، إلى جانب رجال الشرطة المدنية بأعداد تستطيع مواجهة حماس المتظاهرين الثائرين الذين كانوا يتوقعون طرد السفير الإسرائيلى بالقاهرة، واستدعاء السفير المصرى بتل أبيب، وإعادة النظر فى معاهدة كامب ديفيد. لحين تهدئة الأوضاع على الأقل لاسيما مع إصرار إسرائيل على عدم تقديم اعتذار رسمى مكتوب عن حادث الاعتداء الإسرائيلى على حدود سيناء واستشهاد خمسة من الجنود المصريين.
بل كان من المأمول مطالبة الحكومة الإسرائيلية بدفع تعويضات مناسبة عن هذا الجرم لأسر الشهداء، الأمر الذى لم يحدث على الإطلاق، بل نجد على العكس من يصدر قراراً ببناء جدار أمام السفارة الإسرائيلية "لحمايتهم" من مظاهرات سلمية تعلن عن غضبها وكراهيتها لهؤلاء القتلة، وأقصى ما فعل هؤلاء المتظاهرون هو إنزال العلم الإسرائيلى من فوق السفارة وحرقه تعبيرا عن حالة الغضب التى يشعرون بها من تهاون الحكومة المصرية فى اتخاذ إجراءات تعكس صورة مصر الجديدة بعد الثورة المجيدة التى لم تؤثر فى أسلوب الحكم للبلاد حتى هذه اللحظة.
والسؤال المحير الذى يدور فى أذهان أغلب المصريين، لماذا لم تعلن الحكومة وبكل صراحة وشفافية عن أسباب عدم اتخاذ خطوة حاسمة للرد على هذا العدوان الإسرائيلى الغاشم عقب حادث الاعتداء الإسرائيلى على حدود سيناء؟ ولماذا نكرر سيناريوهات العهد البائد حتى الآن كلما انتهكت إسرائيل حقوقا مصرية؟ كان يجب استثمار هذا الحدث "الاعتداء الإسرائيلى على حدود سيناء" أفضل استثمار لتعرف إسرائيل معنى احترام السيادة المصرية بعد الثورة، كان يجب على الحكومة المصرية إصدار قرار بسحب السفير المصرى من تل أبيب فورا ــ كخطوة مبدئية على الأقل ــ للتشاور؟
ولكن للأسف لم ولن يحدث ما نتمنى، لأن أسلوب الحكم مازال يدار بنفس الأسلوب القديم، وبنفس الفكر، فالمدرسة واحدة – أما الغريب فى هذا السياق فإن حقوقنا التى نفرط فيها بمنتهى السهولة قد تنقلب حقوقا لصالح العدو الإسرائيلى بصورة مضحكة، فالكل يعلم أن مصر قد تضطر إلى إعادة العلم الإسرائيلى إلى مكانه ودفع تعويضات عن الخسائر التى لحقت بمقر السفارة طبقا للقوانين الدولية.. وهذه من الأمور التى تعجز الحكومة عن شرحها للشعب، تاركة له العنان لتنفيس الغضب. ولا تطالب فى مقابل ذلك بالمشاركة فى التحقيق وطلب دفع تعويضات عن خسائرها فى الأرواح، وأنا ضد أية تجاوزات، لاسيما التى أقرتها الأعراف والقوانين الدولية، لاسيما فى حماية الرعايا الأجانب ومؤسساتهم، فالمليونيات والمظاهرات قد تكون بالفعل سبيلا مشروعا للتعبير عن الغضب، ولكن تجاوز الحدود فيها قد يؤدى إلى ابتذال القضية وتضييع الحقوق بنفس القدر الذى يؤدى فيه الصمت والتهاون إلى نفس النتيجة. وهنا لابد لنا من وقفة ضرورية نرفع فيها القبعة للحكومة التركية ورئيس وزرائها هذا الرجل الأردوغانى الذى أصبح حديث العالم كله لموقفه ضد إسرائيل لحفظ كرامة أبناء وطنه، فهل دماء وكرامة المواطن المصرى أرخص من دماء وكرامة الموطن التركى! كان ينبغى على الحكومة المصرية مع الإعلان عن مظاهرة الشواكيش أمام السفارة الإسرائيلية أن تقوم بتأمين السفارة ليس بالأسوار، ولكن بالأفكار وجدية الحوار التى تهدئ من ثورة وحماس الشباب الثائر لكرامة بلده، كان عليها تأمين السفارة بالرجال والعتاد، وترك الشباب يتظاهرون كيفما يشاءون، مادامت المظاهرة سلمية محاطة بكردونات أمنية، سامحونى فمازلنا نتعامل مع الأحداث بعشوائية، وببطء شديد، على الرغم من أن مصر مليئة بعقليات فذة لها مكانتها وفكرها المتميز فى إدارة الأزمات، فما زلنا حتى هذه اللحظة لم نتعلم فن إدارة الأزمات واحتواء الأمور المشتعلة، بل إن ما يحدث هو قرارات تصنع أزمات.
فبناء الجدار كان بمثابة إثارة واستفزاز لمشاعر الشعب المصرى، وهذه هى الحقيقة التى يجب أن نقرها ونعترف بها، لذلك لابد أن تراجع الحكومة المصرية نفسها وبمنتهى الشجاعة، لابد أن تطرح الحكومة المصرية سؤالا هاما يقول "متى نتعلم إدارة الأزمات حفاظا على مصر وأمنها ورجالها؟" – حفظكِ الله يامصر وحفظ شعبك العظيم.
اقتحام السفارة الإسرائيلية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
lمحمد السباعى المحامى
هدم الجدار والشاوكيش
عدد الردود 0
بواسطة:
وائل عزام
رد الاهانه
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد محمد حزين
ليه بتعملوا فينا كدة
عدد الردود 0
بواسطة:
د. طارق النجومى
بطلنا ناكل فول...!!!