تتجمع فى سماء مصر غيوم تنذر بسيناريو بغيض للأحداث، يتشتت ذهن المصريين ما بين محاور ثلاثة للتساؤل، أولها هل ينتهى تنازع المصريين بدستور توافقى يرضى طوائف المجتمع بدون إقصاء لأى منها ولا افتئات، ثانيها هل ينتهى حكم العسكر بعدما جاوز الستين عاما فى مصر بأن يسلم فعلاً المجلس العسكرى السلطة كاملة لحكم مدنى منتخب انتخابا حرا نزيها؟ ثالثها هل تنتصر قوى الثورة المضادة ويتم سحب ثورة الشعب فى 25 يناير على البارد إلى لا شىء تقريباً؟ خلاصة قلق المصريين هو هل تنطلق مصر على طريق النهضة فتبنى الدولة الحديثة، دولة الكفاية والمساواة الإنسانية والكرامة والفخر.
انفلات الملف الأمنى هو محور الشر فى معظم مخاوفنا يشاركه التخبط فى إدارة المرحلة الانتقالية بما يحمله هذا من نقص فى الرؤية والشفافية والقدرة.
لقد توالت الأحداث فرأينا حكومات ضعيفة تفتقر إلى صلاحيات استأثر بها المجلس العسكرى وحركات محافظين تبدو وكأنها تخرج من مكتب مبارك تبعاً لملفات أمن الدولة كما فى السابق، رأينا فى العموم تمسكاً بالوجوه القديمة التى ملأ بها نظام مبارك كل المواقع المهمة معتمداً على موالتها له مؤيدة بشهادة انصياع دائم من مباحث أمن الدولة، رأينا إدارة تتخبط فتنهال علينا أحداث متسارعة تكاد تورث المصريين الفزع على وطنهم ومستقبلهم.
عاث البلطجية فسادا فى الأرض وهم معلومون بالاسم والعنوان لجهاز الأمن وسيطر السلفيون على سيناء بالمليشيات وقارب الشعب أن يكره الثورة على اعتبار أنها من سببت الفوضى واضطراب الاقتصاد وقطع الأرزاق، قاربت إسرائيل أن تدمغ مصر بأنها فقدت السيطرة على سيناء.
قامت إسرائيل باختراق الحدود المصرية وقتلت جنودا مصريين وانتظر الشعب من إدارته إجراءا يحفظ له كرامته فوجد تخبطا بل وصدم ببناء جدار يستفز كل عقدة السابقة من جدران عزل سببها إسرائيل، تعدى الشعب صدمته وقام بما أملاه حسه التلقائى ليقوم الجهابذة بترجمة هذه الخيبة إلى تشديد لقانون الطوارئ وتضييق على القنوات الفضائية فى الترخيص والبث، لن تنجح كل الإجراءات القمعية إلا فى إثارة سخرية المضيق عليهم.
قام جهاز الأمن بالصدام مع رابطة مشجعى الأهلى فى استاد القاهرة بالرغم من عدم تطاولهم على الملعب ولا اللاعبين وطاردت قواته شباب هذه الرابطة فى الشوارع حتى أصبح ثأراً ينتظر السداد.
النتيجة المحتومة لتخبط متعدد الاتجاهات هو ما نراه من اشتعال أزمات تطيح بأى استقرار للمجتمع المصرى، نرى ميدان حرب فيما بين سفارة إسرائيل ومديرية أمن الجيزة، كما رأينا ذلك قبلاً فى شمال سيناء وحول أقسام الشرطة فى مختلف المدن المصرية.
يأتى قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى الذى صدر رغماً عن إرادة ورؤية القوى السياسية مجتمعة مع ما أشيع من نظام عقيم لدوائره الانتخابية ليعقد رؤية ما هو قادم، يتندر كل من له خبرة بالانتخابات المصرية بمدى التعقيد الذى يعنيه هذا القانون ودوائره الانتخابية لكل من المرشح والناخب على حد سواء، الجميع يتساءل عن كم العنف والصدام الذى يمكن أن ينشأ عن مثل هذه الانتخابات فى أجواء أمنية بمثل هذه الهشاشة.
هل يمكن لسيناريو بغيض شارك في صنعة جهاز أمن لا يفعل ما يكفى للسيطرة ونظام متخبط لإدارة الدولة والمرحلة الانتقالية وفلول موتورة من النظام السابق أن يفجعنا فنرى تأجيلا للانتخابات أو إلغاءا لها قبل اكتمالها، فنصدم بمد للحكم العسكرى إلى أجل غير مسمى وإجهاض لمسار تحول ديمقراطى متعثر أصلاً؟ هل يمكن لأى منا أن يدعى ساعتها أننا بخير.
ضاع جهد أنصار التغيير والتطهير والنهضة فيما أوقعهم فيه ترهل المرحلة الانتقالية وتردد إدارتها الرخوة و كانوا ضحية الالتباس والخلاف وهدر الجهود، اللهم اعصم مصر من كل من أغواة التآمر وبريق السلطة.. اللهم اكتب لمصر الديمقراطية والنهضة وعليك بكل معوق.