حسبما ورد فى النظريات والكتب والتجارب الإنسانية، فإن نجاح ثورة إنما يعنى نجاحاً وتحققاً لأهدافها، لكن الحال فى مصر دومًا عكس كل الدنيا وكل النظريات، ففى مصر نجحت الثورة، لكن مطالبها لم تتحقق.
جاءت الثورة لخير الفساد والفاسدين وليس لخير أهل مصر، وللتوضيح أورد الشرح الآتى: انتشر الفساد وتوغل فى جسد النظام القديم عاماً بعد آخر لكنه ظل محافظاً على بقائه، ذلك أن جيل الآباء وعى لطبيعة المصريين، فلم يكونوا يمارسون ضغوط الظلم والفقر والفساد والقهر فى درجاتها القصوى، إلا أن جاء جيل الأبناء ورفقائهم من رجال الأعمال هؤلاء الذين لا يملكون حكمة الآباء.
استطاع أحمد عز ورفاقه أن يخلق حالة جديدة من الفساد حالة تسود السطح ولا تسمح بمتنفس لهؤلاء الذين تضمر بهم نيران الظلم والفقر، وهيأ عز ورفاقه جيل من الشباب الذى يجيد لعبة الفساد، وهناك كان جيل آخر يرفض القهر والظلم، وهؤلاء الذين أشعلوا فتيل الثورة فى 25 يناير المنصرم.
استطاعت الثورة، أن تسقط النظام القديم، وتبعد جيل الأبناء من الحكم، بينما انشغل الثوار محاكمة بالرئيس المخلوع ونظامه، المحاكمات العسكرية، أهالى الشهداء، اعتصامهم، الائتلافات والانقسامات، المطالبة بتحقيق مطالب الثورة، المجلس العسكرى ما له وما عليه، ومؤخراً السفارة الإسرائيلية، رفع العلم المصرى، اقتحامها.
كلها أمور شغلت الذهن وفرقت الصف وأعطت الفرصة كاملة للصف الثانى من النظام القديم ليستعيد عافيته ويرتب أوراقه ويعيد طرح نفسه، متسلقاً على أكتاف الثوار، واضعاً علم مصر فى جيب بنطاله الخلفى، لشهره وقت اللزوم. وها هو يعود بقوة ولا عزاء للمصريين.
مرة أخرى نسمع عن مؤامرات خارجية تًحاك ضد مصر، يتم انتقاء دول والتنويه عن تمويلاتها لجماعاتها بالداخل، دون أن نكشف عن كل التمويلات لكل الجماعات.
مرة أخرى نرى المانشيتات المضللة للجرائد القومية، ومرة أخرى الإعلام المصرى فى وادى والمصريين فى واد آخر.
مرة أخرى يتم الإعلان عن قنوات فضائية مغرضة، ثم يتم مداهمة مكتب قناة الجزيرة مباشر مصر وغلقه، وهى التى تبث إرسالها منذ ستة أشهر، فإذا كانت بلا ترخيص، فهل هى القناة الوحيدة التى بلا ترخيص، وإذا كان ذلك لغرض فى نفس يعقوب، فيعقوب الآن مستتر.
الذى يُعيد النظر للمشهد فى مصر الآن، يكتشف أن الثورة قد خدمت الفاسدين أكثر ما خدمت المصريين، بل أنه تم استغلال الكثير من الممارسات القصدية أو غير المقصودة من الناشطين والثوار لتشويه وجه الثورة وصنع حالة استعداء نحو الثورة بشكل كبير.
أشكال القمع تزايدت ولا أحد يمكنه تخيل مداها، فقد بدأت بالمحاكمات العسكرية لبعض الناشطين إزاء تصريحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تنته بعد حتى بعد غلق مكتب الجزيرة مباشر مصر.
الشرطة التى كالعادة توارت تماماً من المشهد فى يوم جمعة تصحيح المسار لم يظهر لهم عسكرى مرور واحد فى شوارع مصر، ولم تحمِ المنشآت، الشرطة العزيزة التى تضم الأصدقاء والأبناء والأخوة والآباء، الشرطة التى نسى أفرادها كل هذه الصلات ولم يتذكروا سوى الثأر لهيبتهم التى سقطت غير مأسوف عليها، تلاعبنا، تنزل الحملات تطارد الباعة الجائلين يوما، ثم تتركهم أياماً، بعض من الظهور لضرب المثل بكونهم عادوا سالمين لعملهم بعد الإجازة المدفوعة الطويلة.
الآن هل يمكن أن نسمى ما حدث فى مصر ثورة، أم أنه مجرد استراحة لأجيال فساد كانت قد ضجت هى الأخرى بفساد الكبار، وكان لا يطالهم إلا الفتات، الآن عادوا ويعودون، ولك الله يا مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة