يعلم المهتمون بأمر التعليم أن مؤسسة التعليم كانت أكثر المؤسسات تعرضا للتخريب فى ظل النظام السابق، وكان تدهور نصيب التعليم من موازنة الحكومة أحد أهم أسباب ذلك التخريب، الذى كان من نتائجه خروج تعليمنا من كل منافسة محترمة، وتحول المدرسة إلى مؤسسة بلا معنى بعد انتقال التعليم من داخلها إلى سوق للدروس الخصوصية، وكان هذا أمرا منطقيا حين لم تزد موازنة التعليم على 36 مليار جنيه مصرى فى آخر موازنة للتعليم قبل ثورة 25 يناير، فبحسبة بسيطة إذا قسمنا تلك المليارات الستة والثلاثين على نحو 20 مليون من الطلاب – بين التعليم الحكومى والأزهرى - يبلغ نصيب الطالب أقل من ألفين من الجنيهات سنويا، فإذا طرحنا من هذين الألفين ما يزيد على 80 % قيمة أجور هزيلة للمعلمين، يكون الباقى للعملية التعليمية برمتها أقل من 400 جنيه سنويا، أى حوالى 35 جنيها فى الشهر لكل طالب، وهو ما يقل عن ثمن حصة واحدة فى درس خصوصى فى أحد الأحياء الشعبية، أو ثمن وجبة فول وطعمية معقولة، ومع تلك الميزانية لم يكن من الممكن أن يزيد مرتب المعلم حديث التعيين على مائتين وخمسين جنيها شهريا، ذلك المعلم المطالب بأن يعيش وينفق على نفسه ويسعى لتكوين أسرة وتحمل نفقات الزواج والاستقلال، وعليه فى نفس الوقت أن يخلص لمهنته كمدرس ويعطيها ما تستحق من جهد واهتمام، ومع تلك الميزانية لم يزد مرتب المعلم بعد عشرين عاما من العمل على ألف جنيه، وهناك من المعلمين المتعاقدين من لا تزيد مكافأتهم الشهرية عن 120 (مائة وعشرين جنيها)، بل يحصل المعلمون الذين يعملون «بالحصة» على مائة وخمسين قرشا عن الحصة، هل يعلم أحد القراء ما شكل هذا القرش الآن؟! وهل يمكن أن تطلب الدولة من مثل هؤلاء المعلمين عملا أو تعليما نظير تلك الأجور التافهة، ومع ذلك فلدينا مئات الآلاف من المعلمين الذين يسعون لإرضاء الله وإرضاء ضمائرهم ويعملون بجد وإخلاص.
المهم.. كان هذا التدهور فى ميزانية التعليم هو السبب الرئيسى فى تدهور وانهيار التعليم منذ سنوات، وهنا لابد أن أشير إلى أن ذلك الانهيار فى التعليم كان واحدا من الأسباب المهمة لثورة 25 يناير، فقد كان الثوار يذكرون تدهور التعليم ضمن أول ما يذكرونه من أسباب ثورتهم المجيدة على النظام الفاسد.
ومن هنا فقد كان من المنطقى أن تكون زيادة نصيب التعليم من نسبة الإنفاق الحكومى على رأس أولويات أى حكومة تسعى لتحقيق بعض مطالب الثورة، وبالفعل طلب وزير التربية والتعليم زيادة ميزانية التعليم بنحو 8 مليارات جنيه عن العام السابق، وراحت حكومة الدكتور شرف تبشرنا بأن زيادة نصيب التعليم من الموازنة العامة للدولة على رأس أولوياتها، ومن هنا تصورنا أن ميزانية التعليم قبل الجامعى قد تتضاعف لتصل إلى سبعين مليارا، وهو ما يعادل حوالى 15 % من إجمالى الإنفاق الحكومى، ولكن هذا لم يحدث، وقررت الحكومة ميزانية لا تزيد على 55 مليار جنيه للتعليم الجامعى وقبل الجامعى، انخفضت مرة ثانية بعد رفض المجلس العسكرى للمعونات الأجنبية إلى 52 مليار جنيه، نصيب التعليم قبل الجامعى منها 39 مليار جنيه أى بزيادة تقل عن 10 % عن ميزانية العام السابق، ولابد من أن يصدم القارئ حين يعرف أن الزيادة السنوية فى ميزانية التعليم كانت تتجاوز تلك الـ10 % فى زمن المخلوع مبارك، ومن نافلة القول كذلك أن تلك الزيادة التى لا تبلغ 10 % تعنى أن التعليم سيزداد تدهورا، فهى نسبة تقل كثيرا عن نسبة التضخم السنوى فى السلع والخدمات، لقد كنا نتعشم من حكومة تضم من الخبراء من يعرفون قيمة التعليم وأهميته، ولديهم فى نفس الوقت انحياز للشعب ولفقرائه أن تفكر فى عشرات البدائل والحلول للخروج من تلك المحنة التى طالت بدلا من الخصم من حقوق الناس، فحقوق الناس لن تظل هى «الحيطة الواطية»، فقد ذهب عهد الحيطة الواطية إلى غير رجعة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن الامين
لا فض فوك
عدد الردود 0
بواسطة:
سيد الصعيدى
الحيطة الواطية واصحاب الجيوب الفاضية !!!
عدد الردود 0
بواسطة:
سر السعاده
تسلم الايادى
تسلم الايادى
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو أدهم
بارك الله فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
mona
فهل من مستجيب؟
عدد الردود 0
بواسطة:
تامر
انصفك الله
انصفك الله كما انصفتنا ويحيا كل من ينصف المعلم
عدد الردود 0
بواسطة:
عادل خميس
بارك الله فيك
بارك الله فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
عمادالباشا-الزقازيق
التعليم
عدد الردود 0
بواسطة:
واجد فتوح
من الحكومة تسمع وتعى
عدد الردود 0
بواسطة:
mohra
lمقال روعه من كاتب مميز