حلمى النمنم

25 يناير أزاح 11 سبتمبر

الأحد، 11 سبتمبر 2011 06:15 م


اليوم 11 سبتمبر 2011، انقضى عقد كامل على حادث 11 سبتمبر 2001، الذى تم فيه تدمير برجى مركز التجارة العالمى، ومقابل كل برج دمرت الإدارة الأمريكية بلدا، الأول أفغانستان والثانى العراق، وإلى الآن لم يتمكن حلف الناتو من مغادرة وحل أفغانستان، ولا تمكنت الولايات المتحدة من مغادرة مستنقع العراق، والأخطر من تدمير البلدين تدمير سمعة الإسلام والمسلمين فى العالم الغربى.. صار الإسلام عنوانا على الإرهاب، وأصبح المسلم عموما والعربى تحديدا إرهابيا إلى أن يثبت العكس، ونجحت الميديا الغربية فى ترسيخ هذا التطور لدى المواطنين فى أوروبا والولايات المتحدة، ومازلت أذكر جيدا حين كنت فى مدينة جنيف قبل سنوات، ودخلت أحد متاحفها، وكان المتحف يضم بعض تماثيل تشرح تاريخ سويسرا فى العصر المسيحى الأول، ورحت أستفسر عن الكثير من التفاصيل، والمرشدة لم تتأخر فى الإجابة وتزويدى بالمعلومات، ولسبب ما علق بعض الزوار وسألنى أحدهم عن بلدى، فأجبت وأصابهم الذهول حين عرفوا أننى مصرى ومسلم، وبادرتهم بالاندهاش، وتبين لى أنهم لا يتصورون أن المسلم يمكن أن يرى تمثالا، ولا أن يستمع إلى تاريخ المسيحية ويستفسر عن الاختلاف بين شكل الصليب بين بلد وآخر وعصر وآخر، إلى هذا الحد وصلت صورتهم الذهنية عنا.. باختصار صار المسلم والعربى عدوا للحضارة وكارها للثقافة وللأنسنة عموما، وفوق ذلك أو بسبب ذلك هو حاقد على الحضارة الغربية وبلاد الغرب لما يتمتع به الغربيون من رفاهية وسعادة، هذا الكائن الحقود لا يتورع فى نظرهم عن تدمير الغرب على طريقة برجى مركز التجارة العالمى، وقد أفادت الدعاية الغربية فى ذلك من بيانات الراحل أسامة بن لادن وتهديداته المتواصلة لهم هو ود. أيمن الظواهرى.

وراح مفكرو الغرب ومنظروه مثل برنارد لويس يقدمون صورة لذلك المسلم الذى تخيلوه، وحتى تكتمل اللوحة لديهم أضافوا إليها أن المسلم الحقود «يعشق الاستبداد والديكتاتورية فى الداخل»، وأن المسلم كيما يتحرر من تلك الديكتاتورية لا مفر أمامه من القبول بالتدخل الغربى لتحريره وإعادة بنائه من جديد، وكان ذلك تبريرا لما جرى من احتلال للعراق سنة 2003 وإسقاط صدام حسين وقتل آلاف المدنيين، واعتبار هذه الجرائم مجرد أشياء تحدث، كما قال رامسفيلد يوما.

هذه الصورة سقط معظم أركانها، إن لم يكن كلها، مع الثورتين التونسية والمصرية، وبالتأكيد المصرية أكثر، ذلك أن المتابعة الأمريكية والأوروبية لما يجرى فى مصر أشد، والثورة المصرية حداثية بامتياز، فقد حملت شعار «سلمية.. سلمية»، أى أن القائمين بها كانوا ضد العنف تماما ويرفضونه، حتى حينما تعرضوا للعنف من قبل الشرطة فإنهم أصروا على «سلمية.. سلمية»، هذه الثورة أسقطت صورة العربى المسلم الذى يركن إلى الاستبداد والديكتاتورية ولا يسعى إلى الديمقراطية، وأسقطت كذلك صورة الإنسان المتعطش للدم وللعنف، بل ثبت أنه مواطن مدنى ومسالم.. إنسانى جدا، يحن إلى الحرية ويسعى إليها، ويبحث عن العدالة ويتمسك بحقوقه وكرامته كإنسان، وهو أيضا قادر على استعمال أدوات التواصل الحديثة والاستفادة القصوى منها «تويتر - فيس بوك» وغيرها.

وتجىء الثورات العربية بعد الثورة المصرية لتؤكد هذا المعنى، خاصة الثورة السورية، حيث يواجه المواطنون السوريون مذابح بشار الأسد وجيشه المدجج بأحدث الأسلحة، حتى أن الدبابات دخلت القرى لتسكت الأصوات المطالبة بالحرية ورحيل النظام الديكتاتورى وعصابة الفساد التى تحلقت حوله وبين أركانه.. اختفت صورة «المسلم الحقود» على الغرب، والرافض للحرية ولحقوق الإنسان، والذى لا يمكنه العيش لحظة بلا ديكتاتور يحكمه أو طاغية يقهره ويذله فى كل لحظة.

وأتصور أن الثقافة ومعها الميديا الغربية مطالبة بأن تعيد النظر فى العديد من مسلماتها وأفكارها الثابتة تجاه المسلم والعربى، ومن ثم تجاه الإسلام ذاته، وأظن أنه مما يعزز قيام الثقافة الغربية بمراجعة ونقد ذاتى استمرارنا ونجاحنا فى بناء دولة القانون ومجتمع مدنى يحترم حريات أفراده وحقوقهم، ويجعل التعددية والاختلاف فريضة اجتماعية ومصدر غنى وثراء وليس منبع شقاق وتطاحن أهلى.

25 يناير أزاح من الذاكرة والوعى الغربى 11 سبتمبر، أو يجب أن يكون قد أزاحه، فإن توقف الوعى الأمريكى والأوروبى عند 11 سبتمبر وجمد أمامه فالمشكلة تكون فيهم هم وليست فينا نحن.


أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة