الوطنية شىء غريزى فى الإنسان تجاه المكان الذى على أرضه نشأ وبمائه ارتوى.. هى تسرى فى عروقه كما يتدفق دمه فيضحى من أجل وطنه الذى عاش فى كنفه من أى مكروه وتنزف دماؤه للدفاع عنه من أى كرب أصابه.
الوطنية هى أن يخلص الإنسان ويجتهد فى عمله.. الوطنية شىء لا يستغل ولا يباع ولا يشترى.. خير مثال على ذلك هو الشاب أحمد الشحات.. ذلك الشاب الوطنى الذى لم يطق الوقوف مكبل اليدين أمام السفارة الإسرائيلية على أرضه تمثل العدو الإسرائيلى، الذى قتل أخوته فى الوطن وهم يؤدون الخدمة الوطنية فى الحفاظ على الحدود.. لقد شعر أن وقوفه محتجًا فقط لا يروى ظمأه الوطنى.. فقرر التسلق على البناية التى بها سفارة إسرائيل حتى وصل إلى الدور الحادى عشر والأخير المنصوب به العلم الإسرائيلى وقام بإحراق العلم ووضع مكانه علم مصر.. نعم قرأنا لقانونيين ودبلوماسيين أن هذا العمل هو فعل خاطئ من الناحية القانونية والدبلوماسية لكنها حالة وطنية لم يستطع الشاب أحمد كبحها.. والدليل على ذلك أنه لم يخش ولم يخف أن يقع من الأدوار العليا للبناية.. لقد تسلق من أجل رفعة الوطن واسترداد كرامته وتضميد جراحه ولإيقاف دمه المراق.. وأخذًا بالثأر ممن قتل جنود الوطن من وجهة نظره ووجهة نظر المصريين جميعهم.. ما أخشاه أن تتحول إن لم تكن تحولت هذه الحالة النبيلة إلى حالة ابتزاز أحمد الشحات وفض عذريته الوطنية.. فالكثير من إعلاميين وصحفيين وسياسيين ودعاة ومحافظين استغلوا أحمد الشحات حتى يظهر معهم أو يتحدث إليهم فيأخذوا صك الوطنية أمام المصريين.. لقد قرأت فى موقع إلكترونى خبرا مفاده أن محافظ الشرقية السيد عزازى قرر تكريم أحمد الشحات، وذلك بإقامة حفل كبير له بديوان عام المحافظة وتوفير فرصة عمل له وتخصيص وحدة سكنية كى يتمكن من الزواج.. وهذا ما سبب لى حزنا وضيقا لأن ما يقوم به سيادة المحافظ من تكريم وتوفير وظيفة ووحدة سكنية إنما هى من وجهة نظرى إهانة كبرى لأحمد.. لأن المحافظ هنا جعل للوطنية سعرا ومقابلا ماديا لقد جعلها سلعة تباع وتشترى.. ونسى أن الوطنية الحقة لا تباع ولا تشترى وهذا ما أرجوه من الشاب أحمد فى هذا العمل الوطنى.. قد يكون أحمد بالقطع محتاج للوظيفة والوحدة السكنية لكن ينبغى أن يدرك أن حبه لوطنه أغلى من كل هذا.. إن نقطة دماء واحدة طاهرة من أحمد أغلى من ظهوره فى الإعلام والتكريم.. كما أن ما فعله أو سيفعله المحافظ يعتبر تشجيعًا لآخرين للقيام بأعمال يحسبونها وطنية، ولكنها فى نفس الوقت تسبب إحراجًا لمصر فنصبح كالدبة التى قتلت صاحبها.. ترى ماذا يحدث حين رأى ويرى العديد من الشاب التكريم والعطايا التى لقيها أو سيلاقيها أحمد جراء تسلقه وإحراقه للعلم الإسرائيلى.. حتما سيحاول الكثير من الشباب تقليده فى حالة مصطنعة أو لإثبات وطنيتهم فيقبل بعض الشباب المتحمس من قتل من فى السفارة الإسرائيلية أو أى إسرائيلى فى مصر أو أى سائح تختلف بلده سياسيا مع مصر.. ماذا يحدث إذا قتل أحد الشباب بعض المسئولين فى النظام السابق حتى ننعته بالوطنى؟! أو من أجل الفوز بالوظيفة أو الوحدة السكنية؟.. حينذاك ستختل قيم العدالة وسيتعرض الاستقرار النسبى إلى نكسة.. لذلك أقول لكل الإعلاميين والسياسيين والمسئولين ارفعوا أيديكم عن أحمد الشحات.. دعوه بفطرته لا تستغلوه لمآربكم الشخصية.. دعوه وشأنه ولا تتسابقوا فى هتك عذريته الوطنية يرحمكم الله.
عثمان محمود مكاوى يكتب: الوطنية.. لا ُتباع لا ُتشترى
السبت، 10 سبتمبر 2011 05:49 م