"إن لم يكتب خيرى شلبى سيرته الذاتية من سيكتبها؟" هذا هو التساؤل الذى طرأ على أذهان جموع المثقفين وسط الموجة التى شاعت مؤخرا والتى شرع فيها كل كاتب أن يُسطر مذكراته كشاهد على حياته أمام الأجيال القادمة، ولعل هذا الطرح هو الذى بدل فكرة "عمنا" عن كتابة السير الذاتية ، فقام بإنجاز الجزء الأول من سيرته "أنس الحبايب" عن الهيئة العامة للكتاب قبل وفاته بشهر تقريبا، معتمدا على حُجة قوية من وجهة نظره تصدرها فى مقدمه عمله وهى أنه لم يلجأ لكتابة السير من باب مواكبة الموجة أو من باب التفاخر ولكن كراوية تحكى حياة طفل بقرية شباس عمير بمحافظة كفر الشيخ مرورا بمراحله العمرية والدراسية المختلفة، وكيف أثرت تلك البيئة على حياته الثقافية والأدبية.
وكعادته اعتمد "عمنا" خيرى شلبى فى سرد سيرته على طريقته السهلة البسيطة فى تجسيد علاقته بالحيوانات وأهل البلدته وكيف كان هؤلاء الناس البسطاء يؤمنون بأعمال السحر والشعوذة حتى استحوذ ذلك التفكير على جزء كبير من حياتهم، متحدثا عن لجوء أهل البلدة للعرافين وفتح المندل عند حدوث سرقات فى القرية، والكتاب الذى يقع فى 198 صفحة يتحدث فيه شلبى عن العوامل التى غذت بذور الحكى عنده منذ الطفولة، حيث كان والده شاعرا ومن ظرفاء العصر وصاحب خيال خصب وتعبيرات لافتة كما كان يستمع إلى حكايات النساء المسنات عندما يتذكرن أيامهن الخاليات ويرافق عمال التراحيل الذين تناول سيرتهم فى روايتى "الأوباش" و"السنيورة"، واستطاع من خلال احتكاكه بهذا العالم اكتشاف لغة جديدة مستوفية شروط الكتابة تؤلف بين اللغة المنطوقة والمكتوبة، وقد استفاد من أربع مدارس أسلوبية لها رصيد فى اللغة، وصنعت تصالحا مع العامية وعلى رأسها المازنى، ويحيى حقى، وعبدالرحمن الشرقاوى ويوسف إدريس.
فى سيرة الروائى الأبرز بعد نجيب محفوظ أنس الحبايب يعبر فى رحلة شاقة عن حارات الحياة ودروبها وتأمل وتساءل كثيرا وركز على أهل الهامش المنسحبين والشطار والمحزونين وفقراء المدن وأهل الحظوة فى القرى، وينقسم الكتاب إلى سبعة فصول يتحدث الفصل الأول عن التحاقه بمدرسة عبد الله النديم عام 1944 وحصوله على الشهادة الابتدائية، وفى الفصلين الثانى والثالث يتحدث خيرى شلبى عن الشخصيات التى أضاءت أيام طفولته وصباه ويتحدث أيضا عن عائلته وأهل بلدته، كما يتناول ثورة يوليو وكيف أثرت فى إدراكه ووعيه بما يدور فى البلاد وفى الدنيا.
وفى الفصلين الرابع والخامس يتحدث الروائى عن ذكرياته مع الأدب والكتب التى سحرت خياله ومنها ألف ليلة وليلة التى جعلت الكاتب يتخيل خروج النداهة له من بين صفحات الكتاب، ويتحدث كذلك عن الحكايا والطرائف والأمثال والفولكلور الشعبى ويحكى عن ، وأخيرًا الفصلين السادس والسابع يتناول فيهما كتابته للقصة التى وصفها بالرومانسية ويحكى كيف أعطاها لصديقه إسحاق ليأخذ رأيه فيها، ويتحدث خييى شلبى عن أساتذته فى معهد المعلمين العام فى مدينة دمنهور.