قبل رحيله بعامٍ، عاد خيرى شلبى (31 من يناير 1938 – 9 من سبتمبر 2011) إلى قريته، التى يتناولها من وجهة نظر الطبقة الفقيرة، من أنفار اليومية والحرفيين والمعدمين والعاطلين وصغار الفلاحين، بصدور روايته "إسطاسية"، ليتكئ فيها على خبرته العميقة فى عالم القرية والأسطورة الشعبية معاً؛ ليقف عليهما، ويصرخ بأعلى صوته متحدثًا عن وضع الأقباط فى مصر، ليعلن أن مشاعر الكره والفتنة بين مسلمى مصر ومسيحيوها، إنما هى ابنة لثقافة خليجية جاءت مع الفكر الوهابى.
تدور «إسطاسية» حول أرملة المقدس جرجس غطاس، التى تعيش فى إحدى القرى النائية بكفر الشيخ، وقُتل ولدها محفوظ الحلاق فاشتعلت نارها وأصبحت تخرج كل يوم مع الفجر تصرخ وتناديه. ومن ثم تشتعل الصراعات والحكايات بين «حمزة البراوى» راوى الحكاية وبطلها الآخر الذى درس الحقوق وفشل فى أن يصبح قاضيًا لتاريخ عائلته فى القتل والإجرام، والعمدة «عواد البراوى» عم حمزة وشريك محفوظ فى ماكينة الطحين، ومن ناحية أخرى فهناك الجزار «عبد العظيم عتمان» المتهم بقتل حمزة، والذى برأته المحكمة ليظل القارئ فى حيرة بشأن ذلك القاتل المجهول، وفى هذه الرواية، تمثل القرية نموذجًا مصغرًا لمصر، وتقدم نوعًا من الرثاء للعدالة المفتقدة فيها، ومن ثم تدور الرواية حول التساؤل الذى نعيشه اليوم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير "كيف يكون الحاكم هو المجرم؟".
تبدأ الرواية بعودة "حمزة البراوى" بطل الرواية إلى القرية، ليجد "إسطاسية" أرملة المقدس جرجس غطاس تدعو فجر كل يوم على من قتل ولدها محفوظ الحلاق، وتسخر حياتها للدعاء على من قتل ابنها، من خلال إقامة حداد دائم فى قريتها وفى القرى المجاورة، ولمدة ست سنوات أصبح الناس محاصرين بصوتها بما فيه من حزن والتياع، دفعهم للتساؤل: متى تستجيب السماء وهى منبع العدالة، لهذه الأم الثكلى؟!، بالرغم من شعورهم بحالة الذنب لمعرفتهم بالقاتل وعدم قدرتهم على الإشارة إليه.
تدفع نداءات "إسطاسية" وحرقتها "حمزة البراوى" لفتح التحقيق فى قضية مقتل ولدها التى حفظت ضد المجهول، خاصةً عندما يشعر أن نظرات أهل البلدة تتهم عائلته كلها بالفعلة الدنيئة، فالراوى ينتمى إلى عائلة "البراوي" التى يرصد شلبى عبر روايته تاريخها فى القتل والإجرام، حيث يتسبب عم الراوى حمزة العمدة "عواد البراوى" الذى كان شريك محفوظ القتيل فى ماكينة المياه "بين البلاد" فى إشعال المنافسة بين عائلة البراوى وعائلة عتمان، والتى يمثلها الجزار عبد العظيم عتمان، والذى يعرف بكراهيته للأقباط، وتزداد هذه الكراهية بعد أن يدخل "محفوظ" شريكًا فى ماكينة المياه مع العمدة.
وعبر البحث عن الجانى تتكشف خيوط الجريمة فى النهاية فنرى زوجة العمدة تعترف لـ"حمزة" أن زوجها لا يفعل شيئاً دون مشورة أخيه عابد، الذى يعد رأس البلاء فى العائلة كما تصفه، ويكشف سيد أبو ستيت صديق عابد وعواد العمدة، الذى كان ينفذ لهم كل الشرور، باقى ما غمض من القصة، حيث اعترف لحمزة بكل أخطائه السابقة لأنه سيذهب بعد أيام للحج تكفيرا عن ذنوبه، ويكشف له "أبوستيت" أن قاتل محفوظ جرجس غطاس ابن اسطاسية هما ابنا عمه العمدة عمار وعبد الغنى عواد البراوى، المسجونان فى قضية أخرى لم يكن لهما بها أدنى علاقة.
تتوالى الأحداث فيعترف أدهم أبو ستيت فى النيابة بجريمة قتل محفوظ كاملة، وأصبح موقف العمدة ضعيفاً فى قضيتين هما إعطاء سلاح بدون ترخيص، والتحريض على القتل مع سبق الإصرار والترصد، عم الراوى العمدة لم يحتمل، ومات فى يوم شديد القيظ.
لتنتهى القصة بزواج البطل من ابنة خاله راندا، التى انتقلت للعيش مع أمه فى الريف، وافتتح الراوى حمزة مكتباً للمحاماة فى بلدته، لتكون أولى قضايا المكتب من اسطاسية ضد عمه عابد البراوى بشأن الأرض التى اغتصبها، حيث جاءته إسطاسية ومعها كل الأوراق التى تثبت حقها فى هذه القضية، وافق محفوظ انتصاراً للحق وبتشجيع من زوجته راندا، متسائلا فى نهاية القصة: هل هى صدفة أن يتحول طموحى فى النيابة العامة إلى طموح فى مهنة المحاماة، وأن تكون قضية إسطاسية هى أول قضية تدخل مكتبى؟.
موضوعات متعلقة
أسرة خيرى شلبى تشييع جنازته بمحافظة كفر الشيخ
رحيل الكاتب الكبير خيرى شلبى عن عمر 73 عاماً
أحمد مجاهد: "شلبى" ودع أحباءه فى سيرته "أنس الحبايب"
أصلان: خيرى خاننى لأنه مات من غير ما يقولى
أبو غازى: "شلبى" أبويا الروحى" وكان يمتلك حسا مصريا عاليا
قنديل: لم أتخيل الاستيقاظ صباحا بدون قراءة مقال جديد لشلبى
مبدعون شباب ينعون "شلبى": لم يعتبر الكتابة يوماً مهنة وإنما كانت حياته
مثقفون يصفون لحظة فراق "خيرى شلبى" بسهم رشُق بقلوبهم
أبو سعدة لـ"شلبى": أديت دورك وإحنا وراك
صلاح فضل: "شلبى" مبدع عصامى أصقل لغته بنفسه
شاكر عبد الحميد: شلبى من أبرز حكائيى الأدب العربى
"خيرى شلبى" رائد الفانتازيا التاريخية ومكتشف كنوز الثقافة المصرية
بالصور.. تشييع جثمان "خيرى شلبى" لمثواه الأخير بقريته فى كفر الشيخ
الاثنين.. عزاء الراحل خيرى شلبى بمسجد الشرطة بالدراسة
"سلماوى" يصف خيرى شلبى بـ"تشارلز ديكنز" الرواية المصرية
عدد الردود 0
بواسطة:
قاريء
إقرأ بعمق
قراءة سطحية جدا في الرواية