
«أنا بن الخيمة بن البادية.. لا أملك إلا معاشى.. واستلفت لشراء الأضحية».. قالها القذافى مشيرا إلى حالة الزهد والتقشف التى يعيشها وأبناؤه.. إلا أن جولة «اليوم السابع» داخل حوش المعتصم، كما يسميه أهل طرابلس والمعروف بـ«الريقاتا» يكشف كذب ابن البادية وأبنائه وحاشيته، فموقعها على شاطئ البحر المتوسط وطبيعة سكانها يجعلها أشبه بلسان الوزراء فى مارينا.
«عيال القذافى دايرين العار فى الريقاته» عبارة رددها الشاب العشرينى سليمان بوغرارة، الذى حرص والداه على تعليمه منذ الصغر بعيدا عن مدارس القذافى، مشيرا من خلف مقود سيارته إلى حالة البذخ التى عاشها القذافى وأبناؤه، قائلا: «عندما انتشر صيت المعتصم فى طرابلس وكثر الحديث عن استخدامه حوشه فى الحفلات الصاخبة سحبها القذافى منه وترك له فيلا واحدة، وأصبحت مكانا لسكن السفارات والشركات الكبرى»، مشيرا إلى أن الدخول إلى حوش المعتصم كان يحتاج تصاريحاً خاصة وإجراءات أمنية مشددة، وفى حال وجود المعتصم بفيلته فإن الدخول والخروج من القرية يكون صعبا حتى على ساكنيها إن لم يكن ممنوعا.
20 دقيقة كانت كافية للمرور عبر حى الأندلس الراقى وقراقشة العشوائية المتلاصقان، لنصل إلى حوش عيسى، هنا الثوار يسيطرون على مدخل القرية، «ممنوع دخول الإعلام إلا بأمر من آمر- قائد - الكتيبة»، قالها أحد الثوار ليصطحبنا إلى آمر كتيبة الشهيد محمد المدنى لنحصل على إذن بالتجول داخل القرية وزيارة فيلات أبناء القذافى ومساعديه.
بزيه العسكرى خرج محمد عبدالله المدنى آمر الكتيبة - 58 عاما - متجولا معنا داخل الريقاته، محمد يحدد مهام كتيبته فى تأمين القرية ضد محاولات بعض أتباع القذافى استغلال أجواء الثورة فى نهب وسلب ما تحتويه فلل القرية، قائلا: «ثورتنا ثورة بيضاء وعناصر القذافى تحاول تشويه صورة الثوار».
المدنى كان ضمن ثوار القذافى إلا أنه ورفاقه اكتشفوا رغبته فى السلطة منذ عامه الأول فى الحكم، قائلا: «فى السنة الأولى لثورة الفاتح حكم القذافى على 12 من رفاق بالمؤبد، وفى احتفال ثورة الفاتح الثانية أعدم اثنين حتى يقضى على كل القادة الذين شاركوه الثورة»، مشيرا إلى الوصف الذى أطلقه الثوار عليه وقتها بـ«صفايا رفاقه» نسبة إلى تصفيته كل الرفاق المحيطين به ليظل منفردا بالسلطة.
تحديد مكان فيلا المعتصم ليس بالأمر السهل فالثوار ليسوا من أهل طرابلس، لكن فلل أبناء القذافى ومساعديه معروفة أماكنها دون قدرة من الثوار على تحديد لمن هذه الفيلا أو تلك، «هذه فيلا عبدالله السنوسى»، قالها وليد محمد على الذى لم يترك عمله رغم اندلاع الثورة كحارس لفيلا السنوسى - الرجل الثانى فى الدولة - سوى مرة واحدة خلال شهر رمضان قبل الماضى، قائلا: «الفيلا كانت جديدة وكان العمال الأتراك يستكملون تجهيزها وأنا كنت جالسا، ففوجئت بزملائى يقولون لى قوم السنوسى داخل علينا، ولم يمكث فى زيارته أكثر من ساعة لم يأت بعدها للفيلا»، مشيرا إلى أنه لم يتغيب عن حراسة الفيلا منذ بداية الأحداث سوى 3 أيام، ورغم ذلك لم يتقاض راتبه البالغ 450 دينارا يدفع منه 300 دينار إيجارا للحوش، الذى يسكنه إضافة إلى طعام أطفاله الصغار، قائلا: «راتبى أتقاضاه من الشركة، التى تدير القرية ولم أحصل على دينار واحد من السنوسى.
على اليمين من مدخل الفيلا صالة جيمانيزيوم يقابلها ملعب سلة، أما باب الفيلا فيضم 12 قفلا أماميا و4 أخرى جهة المفاصل يجعل من دخول الفيلا بغير مفتاحها أمرا مستحيلا، وفى الداخل يوجد بيانو وتكييف يخرج من الأرض متوسطا طاولة مزينة بحصى أبيض اللون يتطابق وزوايا الأرض المصنوعة من الباركيه، وزجاجتان من الخمور تعلو التكييف الأرضى، وإلى اليمين أنتريه أبيض اللون، ثم حمامان، أحدهما زجاجى ملىء بالمرايات، والآخر يحتوى على دش مربع الشكل وبعض من الحصى الأبيض ونبات الصبار، يستطيع الخارج منه أن يرى أمامه جاكوزى يعلوه سرير أبيض اللون. وفى الأسفل يوجد بدروم يضم زورقا بحريا، وبعض المقتنيات والرخام المستخدم فى استكمال الفيلا.
«لا تعليمه ولا خبراته يؤهله للحصول على كل هذه الفلل، التى يتجاوز سعرها الملايين»، قالها آمر الكتيبة، مشيرا إلى استغلال القذافى وعائلته سلطاتهم فى هدم المنشآت الموجودة فى المنطقة على البحر بدعوى أن لليبيين الحق فى 100 متر من البحر يتمتعون بها، إلا أن تصريحاته لم تكن إلا لخدمة مصالحه الشخصية وأبنائه والمقربين منه «كنا نسميها الغردقة»، قالها سمير شقوارة مرتديا زى الغطس، مشيرا إلى إحدى المناطق المطلة على البحر، والتى عرفت بفيلا هانيبال الابن الرابع للقذافى، مضيفا: «أنا من مواليد تاجورا وهذا المكان يشهد طفولتنا، حيث اعتدنا الغطس هنا، ومنذ سنوات جئت لأمارس هوايتى فوجدت سورا وحراسا يهددوننى إذا اقتربت من الشاطئ مرة أخرى فسيضربوننى بالفلكة على قدمى», بوصلة واى ماكس وجهازا لاب توب تواصل الثوار المقيمون فى فيلا هانيبال مع العالم الخارجى عبر الإنترنت داخل غرفة فى الدور الأرضى، بينما ما زال باقى الثوار نائمين داخل الفيلا، التى تضم غرفتين داخل أحدها صالون كبير وبار، وفى الأعلى شرفة تطل على البحر، بينما ما زال رشاش الماء يروى الحديقة الممتدة أمام الفيلا.
إلى الأعلى من فيلا هانيبال وعلى تبة مرتفعة تقع فيلا سيف الإسلام يتقدمها جراج، وزين الثوار مدخلها بعبارة «كتيبة الشهيد محمد المدنى.. نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت»، بينما شرفة الفيلا تضم أنتريها ذا كراسى هزازة، الفيلا يبدو عليها، وكأنها لم تسكن من قبل أو أن عمال النظافة انتهوا فى وقت قريب من ترتيبها، فالأرضية الباركيه ما زالت تبرق والمدفئة فى الريسيبشن، لا توجد أى آثار للنار داخلها، وتضم 3 حمامات و4 غرف.
«عودة الحياة إلى حوش المعتصم بدأت تدريجيا»، قالها قائد كتيبة الثوار، مشيرا إلى توافد السفارات الأجنبية على مقراتهم، مطالبين بتأمين وجودهم وحمايتهم من أى محاولات اعتداء، فضلا عن إخراج بعض الأفراد من مقراتهم والتى اتخذها مقرا لهم عقب اندلاع الثورة.
«هنا محطة بنزين، واسطبل خيول وملعب كرة، ومنطقة خدمات» قالها سليمان بوغرارة، مغادرا بوابة حوش المعتصم، مضيفا: «سيظل هذا المكان شاهدا على ظلم المعتصم».