فتحى عبد الغنى يكتب: آى لايك / I lik

الخميس، 01 سبتمبر 2011 12:17 ص
    فتحى عبد الغنى يكتب: آى لايك / I lik ثورة 25 يناير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يجب ألا نعول كثيرًا على التصريحات التى ترد لنا من الغرب معبرة عن إعجابهم بثورتنا أو ثوراتنا التى أطلقوا عليها الربيع العربى، فليس بالضرورة أن مرجع إعجابهم هو تحقيقنا مكاسب عجزوا عن تحقيقها لأنفسهم، فما نناضل من أجله اليوم ومازال بيننا وبينه مسافات أطول بكثير من مسافات الفنانة نادية مصطفى قد حققوه هم فى القرن الثامن عشر والتاسع عشر والتشاطيب وقعت فى القرن العشرين، ولم يعد أمامهم شىء يفعلونه الآن غير جنى الأرباح.

إعجابهم إن لم يَشُبْهُ النفاق أو الغرض، مرده للسيناريوهات الجديدة التى يرونها لأول مرة، والخارجة عن نطاق أى توقع مما جعلها مفاجئة لأكثر المحللين السياسين خبرة.

شباب يتواعدون على اللقاء فى زمان ومكان معينين ومعلنين، يتقابلون، يترتب على اللقاء، سقوط رئيس الدولة، وحكومته، وأجهزته القمعية، شىء لا يصدقه عقل إلا إذا كان فصلا فى رواية من روايات الخيال العلمى، أو قصة من قصص ألف ليلة وليلة، وإذا أضفنا إلى هذا أن ما حدث كان نتيجة لآلية التواصل الاجتماعى على الإنترنت وهى فكرة جديدة لم تكمل عقدًا من الزمان على ما أظن، ومن بنات أفكار شاب فى العشرينيات من العمر، فإن هذا يجعل الأمر فى غاية الإثارة، بل قد يجد فيها البعض شيئًا من الكوميديا أن يكون هناك رئيس جمهورية له شنة ورنة وفجأة يتهاوى ويسقط كطائر أصيب بالسكتة القلبية وهو يحلق فى كبد السماء، أو يهرب مذعورًا قائلا بلاد الله لا خلق الله، أو يقف بجوار توك توك مهددًا شعبه، وقد يرى فيها البعض نوعًا من التراجدى متمثلة فى تهاوى نظام حكم لبلد محورية وعضو مؤسس للأمم المتحدة بهذه الكيفية، لم تأخذ غلوة كما يقال . أو يرى رئيس دولة يقذف أحد ثغورها من زوارقه البحرية ألتى إشتراها بأموال سكان هذا الثغر .

هو إذا شو، ولكنه لايف، القتلى فيه حقيقيون، وأبطاله يشبهون أبطال التراجيديات الإغريقية العظيمة حيث يعرف الأبطال مصائرهم غير أنهم لا يستطيعون تفاديها . وهذا ما أعطى للعرض قوته وتفرده لذلك فمن فاته مشاهدته يأتى ليرى المسرح، أو النصب التذكارى .

ورغم هذه الاحتفاليات والترحيب الواضح من جانبهم يجب ألا يفوتنا أن هناك الآن العديد من الخبراء الذين يرصدون نتائج تعاطى التواصل الاجتماعى على المواقع الإلكترونية بنفس الحرفية المستخدمة فى حالة تجربتهم لدواء جديد على أفراد من العالم الثالث ويريدون معرفة درجة سميته أو آثاره الجانبية .

وربما سجلوا الآن فى دفاترهم أن الآثار التى نجمت عن تعاطى الفيس بوك أو التويتر فى العالم الثالث هى آثار كارثية، فهى تنجح فى تجميع المتعاطين فى المكان والزمان المطلوب لكنها تفشل فى إعادتهم إلى حيث كانوا، إذ غالبًا ما يضلون الطريق، أو يقعوا فى قبضة زمرة من الأفاقين أو الباحثين لأنفسهم عن دور، أو مساحة ما فى الميديا الإعلامية، أو عصابات أكثر تنظيمًا، فيقومون باستغلالهم عن طريق بث معلومات لا تكون بالضرورة صحيحة، والدفع بهم فى طرق واتجاهات لم تكن فى حسبانهم أو فى تخطيطهم ولم يقصدونها، أو تيارات وجدت فيهم ضالتها فركبتهم لتصل بواسطتهم إلى السلطة التى فشلت فى الوصول لها بمفردها على مدى ثمانين عامًا .

ومن جانبى أرى أن هذا النوع من الحشود يعد جديدًا فى تركيبته، ولا نظير لمثله قبل الفيس بوك وتويتر والتليفون المحمول وغيرهم من وسائل الاتصال الحديثة والبالغة السرعة والكفاءة والمتاحة فى الشارع وفى البيت وحتى محلات الحلاقة والكوافيرات، بحيث يمكن القول إنه الابن البكرى للأدوات ( tools ) التى أصبحت متوفرة فى يد الشباب خاصة والناس عامة، فنحن أمام حشد مكون من أفراد لم يعرف بعضهم البعض من قبل، ومقابلتهم ليست للتعارف أو التشاور فيما ينوون فعله، وإنما غرضها الفعل نفسه، يعنى اللقاء للفعل وهذا شىء جديد تماما وخطير جدًا يعنى لا للدراسة أو الاستعداد، إذا هم متفقون على الفعل وغير متفقين على كيفية تنفيذه، وإذا بدأوا لا يعرفون متى يتوقفوا ولو عرفوا لن سيستطيعوا التوقف فورًا لأن حركتهم كحركة حدافة الماكينات لا تتوقف بمجرد توقف القوة المحركة، ولا يعرفون ماذا سيفعلون لو جد فى الأمور ما يوجب التوقف الفورى، أو تغيير الهدف، ويلزمهم وقت طويل للإتفاق على من له الكلمة الفاصلة فيما يجد من أمور.
إذا كان هذا شأن الحشد، فما هى مواصفات الفكرة القادرة على حصد أكبر عدد من آى لايك؟ أولا تكون جديدة، مدهشة، وكلما كانت موغلة فى غرابتها كلما كانت أسرع جذبًا للمتعاطين، أن تحقق لمن يروج لها من المتلقيين نوعًا من الشهرة بين زملائه باعتباره أول من فهمها وتحمس لها، أن تملك القدرة على إحتلال مساحة فى الفراغ المهول المتفشى فى نفوس الشباب ليس بسبب البطالة ( وإن كان لها دور ) ولكن بسبب عملية الإبادة ألتى جرت للرومانسية بدرجاتها المختلفة، والتى كانت تستولى على وقت الشاب من أول سن المراهقة، فقد أطلع المراهق على كل ما كان يقضى أسلافه ردحًا من عمرهم فى التفكير فيه وتصوره ومناجاته، ألآن بضغطة على أزرار الكومبيوتر يدخل دنيا كما يقال بالمصرى، كشفت الحياة لهم عن نفسها من الآخر بدون إضاعة للوقت أو إماتة للنفس، فضلا عن عملية السطو على الفراغ المجبر على التأمل القسرى من جانب الفضائيات والإنترنت ألتى حرمت الشباب من الوقت اللازم للإعتياد على التأمل القهرى ألذى كان يمكنهم من عملية الفرز والتجنيب لكل ما يعرض عليهم وما يتيح إعادة النظر فيما كان وما صار وما سيكون، وقد انعكس ذلك على طريقة كلام الشباب من حيث السرعة، من حيث التكثيف الشديد الذى يبدو لنا ( كبار السن ) مخلا، من حيث المفردات، من حيث الحسم ( الإفتقار للأخذ والرد ) مما جعله يعتاد على التلقى ويعجز عن الإرسال .
لو سلمنا بأن فعل ثوار 25 يناير كان ذا فائدة عظمى لمصر حتى الآن على الأقل، هل يمكن القول أنه كذلك بالنسبة لفعل شباب لندن وما حدث من حرائق ونهب وسلب للمحلات ؟
أليس من واجبنا كأناس كبار أن نقول لشبابنا خللوا بالكم أو ( take care ) ليس كل مرة تسلم الجرة، أعتقد أن علينا أن نقولها، ليس أملا فى أن يأخذوا بها فحسب، بل لأن عدم قولها يحسب علينا، ويجب أن يؤرق ضمائرنا، ويقض مضاجعنا فى الحقيقة، أو بشكل أدق يحرم علينا النوم فمصيرنا ومصير أبنائنا وأحفادنا معلق بكلمتين أجنبيتين، آى ولايك .







مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

أيمن جمال مشيمش

اعجبنى مقالك ولكن.......

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة