عماد صبحى

ثورة سلوكيات فى مصر

الخميس، 01 سبتمبر 2011 08:47 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعلم أن كلامى لن يعجب الكثيرين.. ولكنى ألمس واقعا قد يصاب البعض بالحرج من الحديث عنه، أخطر ما يهدد نجاح الثورة فى مصر ليس غياب الشرطة مع سبق الإصرار، ولا الدور القذر الذى يمارسه المنتفعون من النظام البائد وفلول الوطنى المنحل، ولا المخاوف من سيطرة تيار بعينه على أغلبية البرلمان القادم، ولا هواجس إجراء الانتخابات قبل الدستور أو العكس، ولا حتى مصير مبارك ومن يجرى محاكمتهم من فسدة النظام السابق، فالثورة قد بلغت نقطة اللاعودة، ولن يستطيع أحد إعادة مصر للوراء، وحصاد الثورة قادم، ونتائجها سوف تتحقق، وسوف تدخل مصر عصر الديمقراطية من أوسع أبوابها، بعد أن ذهب مبارك وانزاحت عصابته التى أفسدت كل شىء فى مصر، وسيكون لمصر برلمان ورئيس منتخب بإرادة الشعب.

ولكن أخطر ما يهدد الثورة هو غياب التطبيق الرادع للقانون وسلوكيات الناس التى لا تحترم هذا القانون ولا تعترف بوجوده أصلا، ما قيمة أن يكون لدينا برلمان منتخب يصدر تشريعات وقوانين يضرب بها الناس عرض الحائط.

مثلا.. ما قيمة أن يصدر البرلمان المنتخب بإرادة الشعب الحرة المستقلة من دون تزوير قانونا جديدا يستهدف ضبط حركة المرور، بينما الناس لا تحترم إشارة المرور فى الشارع، بينما منافذ الرشوة مفتوحة على البحرى للحصول على الرخصة بدون اختبار، وإذا وجدت مواطنا يحترم نفسه ويحترم القانون، فإن السلوك الجماعى السائد يشده إلى المخالفة، لأنه يشعر أن مثاليته لاتصلح للتطبيق فى بلده، وأنه يسبح ضد التيار، ولن يصلح الكون وحده.

لقد عشت سنوات فى دولة خليجية تحتضن على أراضيها أبناء 220 جنسية مختلفة، رأيت هناك قانونا تحترمه وتجله وتهابه وتقدسه كل الناس، وأولهم أبناء الجنسية المصرية، لأن كسر إشارة المرور مثلا ليس لها تداعيات سوى السجن والترحيل من البلد، رأيت أناسا لا يجرؤون على إلقاء ورقة قمامة فى الشارع لأن العقاب حاضر.

ما قيمة صدور تشريع يجرم البناء على الأراضى الزراعية، بينما هناك من يؤمن بامتلاكه أساليب عديدة للتحايل، ومن يعتقد أن أسلوب تفتيح الدماغ يصلح لتحييد الجهة الإدارية المنفذة للإزالة والتعديات حتى لو قامت ألف ثورة.

نريد ثورة شاملة فى سلوكياتنا، وهناك آفة ووباء فى مصر اسمه غياب أو تغييب القانون، ولن تقوم لمصر قائمة مالم يتم خلق الآلية اللازمة، التى تجبر الناس على تنفيذ القوانين والتشريعات.

على سبيل المثال مترو الأنفاق يمكن أن يصبح مثالا واضحا لما أقوله، تم منذ عامين وضع آلية تستهدف تفادى تصادم طوفان البشر أثناء الصعود والهبوط فى المحطات شديدة الازدحام وعدم تعطيل القطار، من خلال وضع أسهم على الأرصفة وداخل القطار تحدد أبوابا للصعود والنزول، لكن لم ولن يلتزم أحدا مالم يرى الركاب بعينهم عقوبة رادعة من دون شفقة أو رحمة، يتم إنزالها على الهواء مباشرة على المخالفين.

ظاهرة الرشوة التى كانت مستشرية كالسرطان فى جسد الجهاز الإدارى المصرى فى عهد النظام البائد، للأسف مازالت موجودة، بدءا من موظف شباك تذاكر المترو الذى لا يستحى أن يضرب فى جيبه الباقى المستحق لك من الفكة، ومرورا بسائق التاكسى الذى يرفض الاعتراف بوجود قانون يفصل بينه وبينك وهو العداد، فيلجأ للتحايل ويدعى أنه سيعود من توصيلك خاليا ويطلب المزيد، وانتهاء بأى موظف يطلب بملء فمه "دخانه" مقابل العمل الذى يتقاضى عنه راتبا.

لن يكون لتحسين هيكل الأجور أورفع الحد الأدنى أى معنى طالما أن الرشوة مازالت تمارس من جانب البعض كسلوك معتاد، وباعتبارها حق، وليست جريمة، يعاقب عليها القانون.

مثلا مشكلة القمامة فى شوارع مصر، يستحيل أن يتم القضاء عليها إلا إذا تم توقيع عقوبات رادعة وصارمة وحازمة وبلا هوادة، من جانب شرطة المرافق على كل مواطن يلقى القمامة فى غير المكان المخصص لها.

بالمناسبة منذ وقت طويل لم أمر فى شارع فيصل بالجيزة، لكن هالنى مؤخرا مارأيته من زبالة تملأ جزيرة هذا الشارع على امتداده، وتساءلت: كيف لمحافظ صاحب ضمير أن ينام مرتاحا أو أن يقبل أن يكون محافظا بعد قيام الثورة ويترك شارعها الرئيسى مقلبا للزبالة بهذا الشكل؟

أكرر نحتاج إلى ثورة فى سلوكياتنا، إذا أردنا أن تكتمل أهداف ومبادئ ثورة 25 يناير، ودعونا نعترف بأن هناك حالة من الانفلات والتمرد السلوكى مرجعه تجاوزات الشرطة وطريقتها الخاطئة فى تطبيق القانون، فى عهد النظام البائد، وانسحابها وغيابها بفعل فاعل بعد الثورة، حتى أصبح المرأ يعتقد أن القانون فى مصر بعد الثورة قد حصل على إجازة، ولن تنجح ثورة السلوكيات مالم تتواجد آلية فعالة لتنفيذها، من خلال إحياء القانون وتنفيذ عقوباته الرادعة وبلا شفقة حتى يرتدع الآخرون.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة