د.عاصم الدسوقى

الوطن والدولة والشريعة

الخميس، 01 سبتمبر 2011 04:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الأصل كانت القبيلة هى الوطن الذى يجمع أبناءها على أساس رابطة الدم، وعندما نزلت الأديان على أوطان القبائل آمن بها من آمن، وصبأ من صبأ دون حساسية أو عقاب من شيخ القبيلة، وعندما تجمعت القبائل تحت راية الدولة الوطنية كانت إدارتها تتم على أساس التوازن بين المنافع والمصالح المشتركة دون مرجعية دينية من أى نوع، بل كانت الأعراف والتقاليد المتوارثة من قبل الأديان هى المرجعية.

ولم تخرج مصر فى تاريخها عن هذا التطور شأن بلاد الدنيا، فقد تعددت فيها الأديان دون حروب دينية أو مذهبية، وظلت التقاليد والأعراف هى المرجعية السائدة دون تمييز دينى ودون دستور يحدد المسموح والمحظور، فنالت الاحترام والتقدير من المراقبين، وأمامنا ثلاث شهادات رسمية لأجانب عن وضع الأقباط فى مصر زمن حكم محمد على باشا: أولها تقرير فى يوليو 1837 رفعه لحكومته دوهاميل، القنصل العام لروسيا، جاء فيه: «أما الأقباط الذين ظلوا على دينهم فيكادون جميعا يشتغلون فى كل المصالح، كتبة ومحاسبون، ومنهم من تفرغ للزراعة واندمجوا فى لغة الفاتحين (العربية)..»، والشهادة الثانية ما أورده جون بورنج، مبعوث الخارجية البريطانية لمصر، فى تقريره بتاريخ مارس 1839، جاء فيه: «.. ليس هناك من يتعرض لأقل مضايقة بسبب عقيدته الدينية، ويؤدى الأقباط شعائرهم الدينية فى حرية تامة، ولا فرق بينهم وبين المسلمين فى أسلوب الحياة المنزلية، فالحجاب مضروب على نسائهم كما هو مضروب على نساء المسلمين..»، وثالث هذه الشهادات جاءت فى تقرير اللورد باتريك كامبل إلى الخارجية البريطانية فى يوليو 1840، حيث قال: «إن الأقباط يشغلون مناصب فى خدمة الباشا، ويؤدى لهم الحرس ومن إليهم نفس ما يؤدونه من تحية وتبجيل لنظرائهم الأتراك.. والحقيقة أنه لا يوجد بلد أكثر تسامحا من مصر..».
وفى عام 1855 (عهد سعيد باشا) تم إلغاء ضريبة الجزية المفروضة على أهل الذمة، وصدر قرار بتجنيدهم فى الجيش، وتبرع الخديو إسماعيل للبطريركية القبطية ببعض التفاتيش الزراعية لتنفق منها على تثقيف رجال الكنيسة، وأمر ممثلى الحكومة فى الأقاليم باستقبال البطريرك عند طوافه بالبلاد استقبالا لائقا، وفى عهد الخديو توفيق صدر فى أغسطس 1880 قانون القرعة العسكرية بتكليف كل مصرى بالخدمة العسكرية بدون تمييز دينى أو اجتماعى وإعفاء رجال الدين المسلمين والأقباط من التجنيد.
ولكن ومع الاحتلال البريطانى لمصر (1882) بدأ الإنجليز يمارسون لعبة الطائفية التى مارسوها فى الهند، وأدت أغراضها فى الصراع الطائفى، فأخذت الفرقة تدب فى الصفوف، وأخذ الانتماء إلى الوطن يتهاوى ويعلو عليه الانتماء إلى العقيدة.
ومن عجب أنه عندما حان الوقت لوضع دستور فى أعقاب ثورة 1919 وبعد هذا التاريخ الطويل من الاحتكام للأعراف والتقاليد اقترح الشيخ محمد بخيت، مفتى الديار المصرية وعضو اللجنة، أن يتضمن الدستور مادة تنص على أن الإسلام دين الدولة، ومن ثم بدأت الطائفية فى مصر تطل برأسها فى ظل الدستور، والشواهد كثيرة، ثم سعت ثورة يوليو 1952 لإعادة التماسك الوطنى، فألغت المحاكم الشرعية والمجالس الملية (سبتمبر 1955)، كما تم تخفيف الشروط العشرة لبناء الكنائس التى تقررت فى 1934 حين وافق جمال عبدالناصر على طلب البابا كيرلس ببناء 25 كنيسة سنويا يحدد البطريرك أماكنها، ولم تقع حوادث طائفية آنذاك، ثم انقلب الموقف رأسا على عقب مع حكم السادات وخليفته مبارك ابتداء من النص فى دستور 1971 على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع (المادة الثانية).

وبعد ثورة يناير تجدد الجدل، حيث أعلن الإسلاميون أن المادة الثانية خط أحمر، وهو ما أخاف كل القوى السياسية وجعل كل من يتقدم بمشروع لدستور جديد يقف مترنحا أمام هذه المادة، الأمر الذى يوحى بالإصرار على بقاء مناخ الطائفية فى حماية الدساتير منذ 1923، على حين كان المصريون قبل تلك الدساتير يعيشون فى وئام وسلام بشهادة المراقبين الأجانب كما رأينا.

إن الدستور الذى يوضع على أساس أية شبهة طائفية دينية من شأنه أن يرجع بمصر إلى زمن الاحتلال البريطانى وإلى أيام السادات - مبارك.. فهل يكون الدستور أداة للرقى الاجتماعى والسياسى أم يصبح مبررا للانحيازات الطائفية؟!





مشاركة




التعليقات 7

عدد الردود 0

بواسطة:

داود روفائيل خشبة

الدين والدولة

عدد الردود 0

بواسطة:

د. مصطفى عصام

الإنتماء للإسلام لا ينافى الأنتماء للوطن

عدد الردود 0

بواسطة:

تحتمس

علو شان الوطنية المصرية

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد على

كلامك سليم 100%

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد العال

التسامح سمة و ضمان التشريع الاسلامي

عدد الردود 0

بواسطة:

د. تامر

Shariaa is not optional

عدد الردود 0

بواسطة:

ابراهيم خالد

احيى استاذ محمد عبد العال واضيف

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة