صدر حديثاً عن المركز القومى للترجمة ترجمة كتاب "الديمقراطية فى الخطاب السياسى المصرى المعاصر" من تأليف "ميشيل دون" أستاذ اللغويات بجامعة جورج تاون، وترجمة الدكتور عماد عبد اللطيف، الباحث المتخصص فى البلاغة وتحليل الخطاب بجامعة القاهرة، وصاحب العديد من الدراسات حول الخطاب السياسى العربى.
ويركز الكتاب على الكيفية التى يتم من خلالها النقاش حول الديمقراطية فى مصر فى نهاية التسعينيات وأوائل القرن العشرين، وأسباب هذا النقاش، وليس على تاريخ الاستخدام العربى لكلمة الديمقراطية نفسها، أو على الأصول الفكرية للمفهوم فى الشرق الأوسط.
وتوضح مؤلفة الكتاب أن اهتمامها بتحليل الخطاب السياسى المصرى حول الديمقراطية يرجع إلى غموض الرؤية بشأن المستقبل الذى تتوجه إليه مصر.
توجد رؤى متصارعة حول ما يحدث: رؤية تقوم الحكومة وأنصارها بالترويج لها، ترى أنه يوجد تقدم بطىء، لكن ثابت نحو الديمقراطية، ورؤية مضادة يقوم السياسيون المعارضون ونشطاء الحقوق المدنية بالترويج لها، ترى أنه يوجد تدهور ثابت فى الحريات السياسية والمدنية.
وتقر الدراسة بوجود تطورات غير مشجعة فى مصر فيما يتعلق بالديمقراطية والمجتمع المدنى أثناء فترة دراستها، واهتمت بدراسة كيف يستخدم المتكلمون فى الحقل السياسى فى مصر المعاصرة مفهوم الديمقراطية، بهدف فهم ما يعنيه خطابهم والظروف السياسية التى يعكسها بشكل أفضل، وقررت أنها يمكن أن تتوصل إلى نتيجة أفضل من خلال تحليل ما يفعله المتكلمون فى الخطاب العام، وكيف يفعلون ذلك بواسطة اللغة، أكثر مما كان يمكن الحصول عليه من خلال الاهتمام بما كان يجب أن يفعلوه أو يمتنعوا عن فعله.
وتقترح هذه الدراسة طريقة جديدة لقراءة الخطاب السياسى العربى، وتبرهن من خلال الإفادة من دراسات الخطاب أن النظر إلى الخطاب السياسى العربى -سواء أكان منطوقًا أو مكتوبًا - بوصفه نتاجًا لتفاعلات اجتماعية، من شأنه تعزيز تقدير المرء للخطاب بشكل كبير. وهكذا فإنها لم تتعامل مع خطب الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك - على سبيل المثال - على أنها نتاج فردى لمبارك نفسه فحسب، بل تعاملت معها على أنها نتاج تفاعلات اجتماعية معقدة بين أفراد وجماعات عديدة داخل وخارج الحكومة المصرية، مستكشفة كيف تعكس الظواهر التداولية الموجودة فى الخطب تلك التفاعلات.
فى تحليلها لخطب مبارك تبرهن الدراسة على أن استكشاف ما تقوله الخطب أقل إفادة من استكشاف ما تفعله، أى الوظائف الاجتماعية أو السياسية التى تقوم الخطب بأدائها لهؤلاء المنخرطين فى إنتاجها.
من خلال توظيف فهم اجتماعى للغة مأخوذ من أعمال السيميائى الروسى ميخائيل باختين وعالم اللغة رون سكولون حاولت الدراسة فهم كيف يُنجز الخطاب أهدافًا اجتماعية تفاعلية، وكيف تترابط شواهد الخطاب مع بعضها البعض، فكما يقول باختين فإن المتكلم (أو الكاتب) "لا يزعج صمت الكون الأبدي"، ومن ثمَّ فإن كل شاهد للخطاب هو حلقة فى سلسلة مترابطة من الشواهد.
وقد قامت الدراسة بمعالجة شواهد الخطاب المختارة معالجة لغويةً، بعد أن درست السياق الاجتماعى الذى أُنتجت فيه. وقررت استنادًا إلى أعمال ويلسون وبيليج وعلماء لغة آخرين أن تركز على ظواهر لغوية دقيقة مثل استخدام الضمائر وأدوات التعريف لكى توضح الفائدة الكبرى التى يمكن أن نجنيها فى فهم ما يحدث فى نص ما.
يتكون المنهج الذى استخدمته الدراسة من مستويين، مستوى اجتماعى إثنوغرافى يستكشف السياق التفاعلى الذى أُنتج فيه الخطاب، ومستوى لغوى يستكشف أدوات لغوية محددة تمَّ توظيفها فى الخطاب.
ومن خلال تطبيق هذه المنهجية حاولت الدراسة الإجابة عن السؤالين الآتيين: ما الوظائف الاجتماعية والسياسية التى يحققها الكلام حول الديمقراطية للفاعلين السياسيين المتنوعين على المسرح السياسى المصرى؟ وما الآثار اللغوية الدالة على هذه الوظائف، والتى يستطيع المرء اقتفاء أثرها فى شواهد الخطاب حول الديمقراطية؟ وفى خلال ذلك تقدم المؤلفة دراسة شيقة عن كيفية إنتاج الخطاب السياسى فى مصر وصياغته، سواء على مستوى السلطة الحاكمة أو المعارضة أو المستقلين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة