جيهان فوزى

الختيار.. فى ذكرى يوم مولده

السبت، 06 أغسطس 2011 09:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الأب والوالد والرمز، كان الكاريزما التى أقر بها أعداؤه قبل أصدقائه، تميز بالحاسة السادسة التى حيرت إسرائيل , الذكاء السياسى والفطنة الثورية التى أدار بها زخم القضية الفلسطينية طوال سنوات حياته النضالية، يقول زملاء الرئيس الراحل ياسر عرفات إنه كان يجد متعة فائقة فى متابعته لكافة قضايا شعبه طوال اليوم وجزء من الليل فى الظروف العادية، وبالكاد يستطيع أن يخصص جزءا من وقته لعائلته وزوجته.

كان عرفات يهتم بكافة القضايا الإنسانية المتعلقة بالأم والطفل، وينادى بحياة أفضل للأسرة والمجتمع والإنسانية جمعاء، فتبنى أبناء الشهداء وأقام دور للأيتام واهتم بالمرأة الفلسطينية ودعم قضايا حقوق الإنسان.. كان يشرف بشكل يومى ومباشر على قضايا الشعب الفلسطينى المصيرية، ويتابع تطور العمل فى مختلف مؤسسات الوطن وخصوصا الجهاز القضائى والتشريعى تمهيدا لارساء دولة القانون والمؤسسات.

ولد الرئيس الراحل فى الرابع من شهر أغسطس 1929، واستشهد فى الحادى عشر من شهر نوفمبر عام 2004 وسط مشاعر محفوفة بالأسى والإحساس بالغدر، فلا زالت قصة وفاته مثار جدل وشكوك بأنه قد تعرض للتسمم من قبل إسرائيل، ولم يكشف عن ملابساتها رغم أن أصدائها لازالت ماثلة فى الأذهان حتى الآن.

لقد وعى عرفات جيدا أبعاد النكبة التى حلت بشعبه عام 1948، فقرر أن يسخر حياته لإزالة آثارها وعودة الحقوق إلى أصحابها، رافعا شعلة أضاءت الظلام نحو فلسطين، واستطاع أن يعيد القضية الفلسطينية إلى فلسطينيتها، بعد أن غلفتها شعارات التيه والضياع ردحا من الزمن، ظاهرها رحمة وباطنها المؤامرات والدسائس.

أمضى أبو عمار حياته فارسا ومناضلا بطلا وسياسيا محنكا، ومع ذلك رفع غصن الزيتون مرتين، مرة عام 1974 عندما ألقى كلمة فلسطين فى الأمم المتحدة، والأخرى عام 1993 عندما نادى للعمل من أجل سلام الشجعان عند توقيع اتفاقية اعلان المبادئ فى واشنطن، داعيا للعمل من أجل السلام القائم على العدل , لا السلام القائم على الظلم والاضطهاد .

طالما سمعنا عن قدراته الفائقة فى استشعار الخطر فى أى مكان كان يتواجد فيه بين مقاتليه، أو فى المناسبات العامة التى كانت تجمعه بالفلسطينين فى الشتات، قبل أن يدركه الخطر من تفجير هنا أو كمين هناك، كان يغير خططه بسرعة أذهلت كل من رافقه درب الكفاح، فقد كانت الحاسة السادسة حاضرة دائما , حتى أن قادة اسرائيل أنفسهم احتاروا فيه، ومقتوا ذكائه الذى أرق مضاجعهم لسنوات طويلة، فتحول هدف التخلص منه إلى أمنية غالية يتمناها جنرالات الجيش الإسرائيلى، وبنفس القدر الذى يتمتع فيه بذكاء المناورة، كان يتمتع بقدرة غريبة على التخفى والتنقل دون أن يشعر به أحد، تعرض لمحاولات اغتيال عديدة نجا منها بفضل الله أولا ثم فراسته المتفردة تاليا، كان يمثل الرمز لكل أبناء شعبه حتى المختلفين معه سياسيا وفكريا، يطلق عليه رفاق الكفاح وقيادات الفصائل الفلسطينية المختلفة لقب "الوالد " أو "الختيار"، فاستحقها عن جدارة، فقد أحبه أبناء شعبه وأحب أخطاءه، ولم لا ؟! وهو الكاريزما التى لاتعرف لها سببا ! هو الرمز الذى لا تستطيع كراهيته، هو الأب لكل الفلسطينين حتى المناوئين لسياساته والرافضين لنهجه الأيديولوجى ، وهو الختيار الذى ينضوى تحت لوائه ألوان الطيف الفلسطينى.

كرس حياته للقضية الفلسطينية، وفى الوقت الذى كانت القيادات الفلسطينية، وفى مرحلة تالية وزراء السلطة يبيتون فى بيوتهم قريرى العينكان يظل ساهرا قابعا فى مكتبه لدراسة التقارير العاجلة والملفات الحساسة حتى الساعات الأولى من الصباح، وفى أحيان كثيرة كان ينام ماتبقى من ذيول الليل فى مكتبه، حتى يعاود نشاطه فى صباح اليوم التالى ويزاول أعماله دون ضجر أو كسل، وقد حكى لى أحد القيادات الفلسطينية عن المجهود الكبير الذى يبذله عرفات، واهتمامه بكل شاردة وواردة وكل تفصيلة تخص الوضع الفلسطينى حتى يمسك بجميع الخيوط فى يده، وكيف أن ذاكرته لا تعرف النسيان رغم كبر سنه والإجهاد الشديد الذى يتعرض له يوميا فى قراءة الملفات المتعلقة بمفاوضات السلام مع إسرائيل، ومدى حرصه وتركيزه الشديد على الاهتمام بذوى الاحتياجات الخاصة مثل المعاقين والأسرى والشهداء، وكيف قام بالإشراف على إنشاء العديد من الوزارات والجمعيات والمؤسسات الخاصة لمتابعة ظروفهم الحياتية.

أذكر أننى فى أحد زياراتى إلى غزة عام 1999 كان هناك اجتماعا هاما للقيادة الفلسطينية فى" المنتدى " وهو مقر اجتماعات السلطة والوزراء، وكان هذا اللقاء عاصفا هادرا خرج بعده عرفات وعلامات الغضب واضحة على وجهه المنهك، واستقل سيارته وجلس بجانب السائق - فلم يجلس مرة فى الكرسى الخلفى ودائما ما كان يجلس بجانب سائقه – لوحت له فابتسم ورد التحية بمنتهى التواضع الذى لم يكن يتمتع به وزراءه أنفسهم.

وفى مرة أخرى، التقيته فى ذكرى احتفالات السادس من أكتوبر بمقر السفارة المصرية بغزة، كان ودودا ومبتسما والحديث معه له مذاق آخر، التقطنا معه الصور التذكارية وودعناه على أمل اللقاء فى مقابلة صحفية حالما تسمح ظروفه بذلك.

الحديث عن الرئيس الراحل ياسر عرفات يحتاج لسلسلة من المقالات، غير أننى وجدت من واجبى شرف المحاولة لالتقاط بعضا من لقطات حياته، ونحن نحتفل بذكرى ميلاده,رغم استشهاده منذ نحو سبع سنوات.

لقد عاش عرفات ومات بطلا محاصرا وشهيدا مكرما، ففى ديسمبر من عام 2001 عندما قررت الحكومة الاسرائيلية برئاسة أرئيل شارون - ألد أعدائه – فرض الحصار على الرئيس عرفات فى مبنى المقاطعة برام الله، ومنعته من التحرك والانتقال حتى داخل الأراضى الفلسطينية بين مدنها وبلداتها لمتابعة أمر شعبه، وهدد مرارا على الإقدام بهدم مبنى المقاطعة على رأس الرئيس ورفاقه ومعاونيه المتواجدين معه، كعادته ظل عرفات صامدا أمام الهجمة الاسرائيلية، وفى أواخر مارس عام 2002 أثناء الاجتياح الاسرائيلى لرام الله قال عبارته المشهورة : " يريدوننى إما طريدا وإما أسيرا وإما قتيلا .. لا , أنا أقول لهم شهيدا .. شهيدا .. شهيدا ..

واستمر الحال على ذلك حتى ساءت صحته، وإرادة الله نفذت واستشهد قائدا وزعيما ومعلما .. وودعه شعبه والعالم أجمع .. أحباءه وأعداءه فى ثلاث جنازات عسكرية مهيبة , الأولى فى فرنسا والثانية فى مصر والثالثة فى رام الله !!






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة