تركتها الكبرى واتجهت إلى الترعة وراحت تتفرج على البط السابح فى الماء ولما رأت بطة تغطّس منقارها فى الماء وترفعه وقد علقت به سمكة صغيرة ضحكت وهتفت ضاحكة: تعالى شوفى البط بيطلع سمك من الميه وياكله.
أمسكت بورقة من شجرة كافور ودعكتها فى يدها. شمتها وانتعشت. هل كان ما تراه الآن موجودا حين جاءت من هذا الطريق منذ ساعتين. إذا كان ذلك فكيف لم تره؟ هل يكون وقت طويل قد مضى بما يكفى للأرض أن تنفجر منها ترعة كهذه تنمو على جانبيها الحشائش والأشجار؟
لابد أن تسرع بالعودة قبل أن ينطلق مدفع الإفطار. هكذا قال لها أبوها. لا تستطيع أختها الصغيرة التى لم تبلغ السابعة بعد أن تحميها فى هذا الفراغ. ولا تستطيع هى التى فى الثانية عشرة أن تحمى أختها. ربما لهذا يبدو أبوها حزينا لأنه لم ينجب الولد بعد. لكن أختها الصغرى توقفت وقالت:
- تعبت.
جلستا تحت شجرة كثيفة الأوراق، ورأت الكبرى الشمس تبتعد عن الدنيا وطرف السماء البعيد يلتهب عند الأفق وقالت الصغرى:
- حنرجع نقول إيه لبابا وماما؟
لم ترد الكبرى التى كانت ترى على الضفة الأخرى من الترعة بيوتا تنتصب فجأة أمامها، لكنها كلها موصدة الأبواب ولا صوت يصدر عنها. قالت لأختها الصغرى:
- شايفة اللى أنا شايفاه؟
- أنا مش شايفة حاجة غير الترعة والشجر.
- فيه بيوت قدامك أهه بس مقفولة.
- انتى جعانة زيى وبتحلمى. مافيش حاجة.
- كمان الترعة فيها بط ووز.
- انتى ليه جبتينا من السكة دى؟
- ماعرفش غيرها. بابا بياخدنى معاه لما يزور عمى. بيقول أقرب.
- أنا سمعت مِرات عمى بتكلم عمى فى الأوضة اللى جوة.
- أنا كمان سمعتها. ليه قالت مش موجود؟ يعنى علشان بابا بعتنا نستلف منه فلوس.
- دى حتى ما قالتلناش اقعدوا افطروا معانا.
- قالت لنا مع السلامة علشان تفطروا مع بابا وماما وما يقلقوش عليكم.
قالت الصغيرة ذلك وهى تضحك ثم أردفت:
- ماتعرفش إن مافيش أكل فى البيت وإن احنا جينا نستلف الفلوس علشان نشترى فطار.
تركتها الكبرى واتجهت إلى الترعة وراحت تتفرج على البط السابح فى الماء ولما رأت بطة تغطّس منقارها فى الماء وترفعه وقد علقت به سمكة صغيرة ضحكت وهتفت ضاحكة:
- تعالى شوفى البط بيطلع سمك من المية وياكله.
لكن الصغرى لم تتحرك. وعادت إليها الكبرى، وجلست جوارها على الأرض. فقالت لها الصغرى:
- الدنيا بتضلم وانتى بتشوفى حاجات غريبة. المدفع زمانه ضرب ولا فطرناش.
فكرت الكبرى لحظة وقالت:
- جعانة؟
- حاموت من الجوع.
ضحكت الكبرى، وقالت:
- حاكّلك أكل عمرك ما أكلتيه.
وراحت بأصابعها تصنع دائرة كبيرة، وقالت:
- دى طبلية. نفسك تاكلى إيه؟
لم ترد الصغرى التى ضحكت. والكبرى بإصبعها أيضا رسمت دائرة صغيرة داخل الدائرة الكبيرة، وقالت:
- دا طبق ملوخية.
انطلقت الصغرى ضاحكة، فاستمرت الكبرى ورسمت أكثر من دائرة صغيرة وقالت:
- وده عيش. شوفى كتير قد إيه.
ضحكت الصغرى، وقالت:
- الملوخية عايزة رز.
رسمت الكبرى دائرة، وقالت:
- ودا ياستى طبق رز. عايزة لحمة؟
قالت الصغرى بشغف عميق؟
- فرخة.
رسمت الكبرى ما يشبه الدجاجة، وقالت:
- آدى الفرخة، قطعى منها زى ما انتى عايزة.
ضحكت الصغرى ضحكة صافية، وقالت:
- دا ما فيش معلقة.
قالت الكبرى:
- كلى بإيدك النهارده.. معلش.
وراحتا تأكلان من الدوائر المرسومة وتستمتعان وتضحكان، حتى استلقت الكبرى على ظهرها، وقالت:
- شبعت أوى. إنتى لسة جعانة؟
تمددت الصغرى جوارها، وقالت:
- شبعت خالص. أشيل الطبلية والصحون؟
قالت الكبرى:
- خليها شوية، يمكن حد يعدى جعان، يلاقى حاجة يأكلها. ياللا بينا نروح بسرعة لحسن زمان بابا وماما قاعدين قلقانين علينا.
نهضتا ضاحكتين، وأسرعتا فى المشى وقالت الصغرى:
- لازم نروح بسرعة علشان نساعد ماما فى غسيل الصحون والحلل.
ضحكتا، وأسرعتا أكثر ثم توقفت الكبرى وأمسكت بذراع الصغرى وقالت:
- صعبان عليا أوى بابا وماما. مش حيعرفوا يعملوا زينا وياكلوا.
واندفعتا معا فى بكاء أليم مالبث أن تحول إلى ضحك بهيج.
موضوعات متعلقة..
◄ ننشر حكايات ساعة الإفطار "1".. رسائل من الجنة
◄ حكايات ساعة الإفطار "2".. مائدة رحمن
◄ ساعة الإفطار"3".. شفشق وأبريق
◄ حكاية ساعة الإفطار"4".. سيبك منه خليك فى حالك!!
◄ حكاية ساعة الإفطار "5".. رجل أمن الدولة الغلبان
الكاتب إبراهيم عبدالمجيد
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الجمهورية الإسلامية المتحدة
الجمهورية الإسلامية المتحدة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد فريد
الجبهة الشعبية لنهضة مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
عمر عبدالعزيز
الله اكبر
عدد الردود 0
بواسطة:
علي عبد الحليم
مــــــــــــــــــــــــــــــــاضي ألــيــــــــــــم
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن سعيد محمد
دكتور شرف ارحل من فضلك 10 مليون معاق يناشدونك الرحيل