فيما مضى، كانت السجون والمعتقلات من المناطق المحظور دخول ممثلى النيابة العامة والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان إليها، وكلما تصاعدت الأصوات المنددة بما يتعرض له البؤساء من نزلائها لانتهاكات مروعة وسوء معاملة، كانت وزارة الداخلية فى زمن حبيب العادلى، تكتفى بتصريحات على لسان مسئول أمنى كبيرـ لا يذكر اسمه بطبيعة الحال ـ ينفى فيها جملة وتفصيلا تلك الاتهامات ويصفها بأنها حملة لتشويه صورة جهاز الشرطة الوطنى، وإن زادت الانتقادات ترتب زيارة توصف بالمفاجئة لثلة مختارة من أعضاء مجلس الشعب لأجزاء بعينها فى سجن يختاره رجال العادلى، زيارتهم تلك كانت تشبه الوجبات السريعة الجاهزة باردة وبلا طعم ولا تسد الجوع. ولم يكن يجرؤ أحد من المشاركين فيها على التفوه بعبارة يشتم منها رائحة الانتقاد، بسبب بطش وجبروت الجهاز الأمنى، بل إن أحدهم صرح بأن السجناء يعيشون فى فندق خمس نجوم، وبدا من كلامه أنه يدعو أبناء الشعب المصرى العظيم لقضاء عطلة نهاية الأسبوع فى نعيم طره وأبو زعبل والطور والعقرب وغيرها من السجون العلنية والسرية. وما من شك فى أن النظام الذى سوف يتشكل تحت مظلة ثورة الخامس والعشرين من يناير سيتحتم عليه سن تشريعات ووضع لوائح تعزز من احترام حقوق الإنسان لجموع المصريين بمن فيهم السجناء، وأن يصبح التفتيش على أماكن احتجاز المتهمين فى أقسام الشرطة والسجون قاعدة راسخة غير قابلة للتسويف والتجاهل، وأن تخضع رقبة الجميع لسلطان القانون وحده.
وتابعنا فى الأسابيع المنصرمة عدة زيارات لوفود من النيابة ونشطاء حقوق الإنسان وشخصيات عامة لمنتجع "بورتو طره" للاطمئنان على أن رموز عصر مبارك لا يتمتعون بمميزات تضعهم فى مكانة أرقى وأعلى من كونهم سجناء على ذمة قضايا ينظرها القضاء. ودع عنك تركيز وسائل الإعلام فى تغطيتها لهذه الزيارات على رفض جمال وعلاء مبارك استقبال الوافدين لتفتيش غرفهم فى سجن المزرعة، وتصرفهما بتعال يوحى بأنهما لا يدركان حقيقة وضعهما كمتهمين، فما يهمنى أن الزائرين حصروا همهم فى تأكيد أن العادلى، وفتحى سرور، وصفوت الشريف، وزكريا عزمى، وأحمد عز، لا يعاملون كباشاوات فى السجن، ويخالفون القواعد المنظمة لزيارة أسرهم لهم، مثل إتمامها فى غير الأوقات المحددة، ولم يوسعوا الدائرة للوقوف على الأوضاع المزرية للمحبوسين فى العنابر العادية، وكان لسان حالهم أن المشاهير أولى بالزيارة.
وفى حدود اطلاعى لم يقع تحت يدى ما يفيد أن النشطاء الأعزاء زاروا عنابر غير تلك المحبوس فيها حيتان مبارك، ولعل الاستثناء كان من طرف ضياء رشوان الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الذى طلب المرور على عنبر للسجناء الجنائيين فى لقطة خاطفة، وما عدا هذا فإن المشاهير كانوا هم محور ومحط العناية، وفى تقديرى المتواضع فإننا بذلك لا نرسخ لشمولية دولة القانون والعدالة، إذ يجب أن يكون الكل على قدم المساواة، فزنازين المسئولين السابقين يجب أن تكون جزئية صغيرة من الرحلة التفقدية، فالهدف الاساسى لابد أن يصبح معرفة الأحوال الحقيقة للمساجين، وأن نعرف خريطة السجون السرية التى كانت ترتكب فيها الأهوال والجرائم وقتل داخلها من قتل بدون خضوع هذه السلخانات لرقابة قضائية، ولا حتى المجتمع المدنى، نريد أن نضع حدا فاصلا للتمييز والطبقية فى السجون، فرجل الأعمال بأمواله يحول محبسه لشاليه فى مارينا أو الغردقة، ويحضرون له مساجين يقومون على خدمته وتلبية مطالبه، الكل فى السجن لابد أن يقفوا على خط مستقيم واحد بصرف النظر عن المنصب والجاه والسلطان إن كنا نصر على تشييد دولة القانون ومبادئ المساواة والعدل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة