محمد فهيم

أين فقراء الشعب من ولائم القوى السياسية؟

الأحد، 28 أغسطس 2011 09:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أرى فى رمضان هذا العام اختلافا كثيرًا عن الأعوام السابقة، سوى أنه أول رمضان بعد الثورة، ورغم أن المشهد السياسى قد تغير قليلا، فاختفت وجوه كرهنا رؤيتها لسنين طوال، وصعدت وجوه أخرى تريد أن تخطف الأضواء، وتظهر فى الصورة علها تظفر بالكرسى والسلطان، ولكن الحال مازال هو الحال، وحينما أتحدث عن الحال هنا أعنى حال مصر وجل أبنائها من المساكين.

حقا غابت عصابة الباطل وأذناب الشيطان عن شاشات التليفزيون وعن احتفالات ليلة الرؤية والعاشر من رمضان ووغزوة بدر وليلة القدر ومسابقة تحفيظ القرآن وليلة رؤية العيد، ولكن الذيول مازالت باقية كنا نتمنى أن تختفى هى الأخرى مع ما ذهب بغير رجعة، ولكن عصابات جديدة بدأت تنظم صفوفها، وأفاقين جدد بدأ يعلو صوتهم، ووجوها بدأت تلمع فى الظلام والعتمة تحاول أن تسرق النور الباقى من الوجوه.

فالمؤسف والمحزن بل والمفجع أن المشهد السياسى المصرى الجديد لا يختلف عن سابقه، ويتصرف بنفس الفكر والأسلوب والعقيدة، ويتعامل مع شعب مصر وكأنه مرحوم مات لم يقام له مآتم ولم يصلى عليه صلاة الجنازة، ففى السابق كان الساسة يتعاملون مع الشعب على أنه همل غير موجود، تتخذ القرارات فى غير منفعته وتنفذ القوانين فى غير صالحه ويسرق قوته وعرضه ونفسه وعياله، واليوم نعيش نفس المنطق مع الساسة الجدد، أو مع من يحاولون أن يفرضوا أنفسهم على إرادة الشعب، ويحلمون بالسلطة الجديدة بدافع رعاية الشعب القاصر، وإنقاذه من العهد الظالم، ولكنهم للأسف نسوا هذا الشعب وأسقطوه من حساباتهم، وفقط لا يفكرون إلا فى أنفسهم ولا يرغبون إلا فى تحقيق أحلامهم هم، على رقاب الشعب وجثثه وأحلامه.

ودليل كلامى ماحدث خلال شهر رمضان من ولائم للإفطار والسحور على شرف جميع الحزاب والقوى السياسية، أضف إليها الوزارات والإدارات والمصانع والشركات والمؤسسات تكلفت الملايين، دعى فيها أشراف القوم وأصحاب النفوذ والكلمة والصوت الإعلامى المسموع، ليأكلوا من أفخر وأجود وأغلى أنواع الطعام من أفخم الفنادق والمطاعم، وكأننا نعيش أزهى عصور التقدم والرخاء والخير الوفير يعم البلاد والعباد.

بينما باقى الشعب "من ماله ولا يهنا له" جائع كما هو من قبل الثورة، مازال يحلم بسوق يطعمه وأسعار ترحمه وشارع آمنٌ لا يغدر به، وبيت يأويه دون أن يسقط فوق رأسه فيدفن فيه عياله تحت الأنقاض، ذلك الشعب الذى لم يتغير حاله فما زال يرسخ تحت وطأة الفقر والذل والقهر والجوع والاستعباد، ولم يتبدل أمله فى أن يحصل على رغيف عيش دون عناء أو يصيبه بتلبك معوى أو طبق فول بدون سوس أوفرخة ميتة أو كيلو لحمة مرة فى الإسبوع أوكيس سكر وباكو شاى وإزازة زيت أو علبة برشام مش فاسد أو حقنة مش ملوثة أو حتى كلمة حلوة تريح باله وتطمئنه على مستقبل عياله.

بينما كبار القوم وعليته ينعمون فى اللحم بأنواعه والفاكهة والحلويات على كل شكل ولون وكل ما لذ وطاب، ولكنهم للحق بعد الإفطار أو السحور يجلسون كى يناقشوا أمور الحكم والسياسة، وتغيير الدستور وانتخابات الشعب والشورى والرئاسة، ويختتمون لقائهم باتفاق على تقسيم الغنائم بين الراغبين فيها، وتوزيع ما بقى من جسد مصرالبالى فيما بينهم بالتراضى، وكأن الثورة قد قامت من أجلهم هم وجاء دورهم كى يحصلوا على المكافأة، ويتقاسموا الإقطاعيات والغنائم والهدايا السبايا، والشعب يكفيه شرف الخضوع والخنوع للقادة الجدد، الذين سينعمون عليه بالعلاوة الدورية والإجتماعيةن وسيوفرون له الطعام المسرطن الذى يكفنه ويريحه من ذل الدنيا ومطالبها، وليهنأ القادة الجدد بالنعيم المقيم، كما كان يفعل بالضبط مبارك ونظامه.
وأتساءل كيف لطلاب الكراسى الجدد وهم مازالوا فى مرحلة البحث عن السلطان ولم يحصلوا عليه بعد، أن يتجاهلوا ذلك الشعب الميت المحسور غير المأسوف على أبنائه وشبابه، وكيف سيكون فعلهم فى رمضان المقبل بعدما يحصلوا على المناصب وينالوا الثروات، أعتقد أنهم سوف يكونون أبشع ألف ألف مرة من مبارك ونظامه وعندها سيتحسر الجميع على ثورته التى أكلتها الحيتان ونهثتها الحدادى والغربان .

وكان من الأجدر والأجدى أن توضع تلك الملايين التى أنفقت فى كل مصرعلى طعام البشوات الجدد فى الإفطارات والسحور والمجاملات، لفقرائها وشبابها الذى يحتاج إلى من يأويه ويرعاه فى سكن "حجرة وصالة" أو عش زوجية فيه "بنت الحلال" أو فرصة عمل تكفيه "ذل الفقر والفاقة".

أفيقوا أيها السادة الجدد لم ينته عصر مبارك حتى ترثوه وتنسوا مصيره، وتذكروا أنكم لم تتسلموا التكية ولم تحصلوا على مفاتيح المغارة بعد، لأن على بابا مازال يقظا والأربعين حرامى القدامى مازالوا على قيد الحياة، ولم تمر السنون حتى تنسوا ذلك الشعب الذى قامت من أجله الثورة، وقتل من أجل حريته وكرامته ورفعته وقوته الشهداء الأبطال.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة