تعودت إسرائيل على "أن دماء المصريين رخيصة"، فاعتدت أكثر من مرة، مثلما فعلت يوم 18 أغسطس 2011، بقتل 6 جنود مصريين داخل حدود الدولة المصرية، والادعاء بأن الاعتداء لم يكن مقصودا، وفى الحقيقة، هذا ليس فقط ذنب إسرائيل وحدها، وليس فقط بسبب تبجحها المُعتاد، وليس فقط بسبب طبيعتها الشرسة المعتدية، وليس فقط بسبب خوفها من محاولة استعادة مصر-التى تمثل قيادة وقلب الوطن العربى- لريادتها مرة ثانية، وليس فقط بسبب خوفها من نجاح الثورة المصرية، وتحول مصر إلى دولة ديمقراطية، وليس فقط بسبب خوفها من امتثال الإدارة المصرية للضغوط الشعبية التى تطالب بتعديل اتفاقية السلام، ومنع تصدير الغاز لإسرائيل، وليس فقط بسبب خوفها من وصول الإسلاميين –أصحاب العلاقات الوطيدة مع حركة حماس- إلى السلطة فى مصر، وليس فقط بسبب رعبها من وحدة الشعب والجيش المصرى معاً، بل إنه بالإضافة لكل ما سبق، فهناك ذنب يقع على النظام الفاسد التابع المتواطئ، الذى حكمنا لثلاثة عقود، وأهدر كرامة المصرى فى الداخل، وفرط فى حقوقه فى الخارج، مما جعل إسرائيل تعتدى، ولا تجد لها رادعاً.
فإسرائيل تكذب وتتحايل دائما، وتدعى أن الاعتداء لم يكن مقصود، وفى الحقيقة هو مقصود، وأرادت إسرائيل من خلاله تحقيق عدة أهداف: أولها، اختبار طبيعة إدارة النظام السياسى فى مصر بعد الثورة، ومعرفة فى أى الاتجاهات يسير، ومدى قدرة المطالب الثورية فى الضغط على هذا النظام، وما إذا كانت مصر وُلدت من جديد أم أنها لا تزال "مستكينة"، أما الهدف الثانى، هو إلهاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة والجيش عن إدارة السلطة فى مصر، من خلال الدفع بهما للرد على إسرائيل والالتفات حول حدود مصر، والانصراف عن تأمين داخل مصر، وإحداث اضطراب داخلى وفوضى نتيجة كثرة التظاهرات والاحتجاجات، وتأجيل الانتخابات الرئاسية، التى قد تأتى برئيس جديد، يحقق مطالب المصريين فى إلغاء أو تعديل اتفاقية السلام ومنع تصدير الغاز لها.
والدليل أن إسرائيل لم تقدم أى اعتذار رسمى حتى الآن، من أجل إشعال الموقف والغضب الشعبى فى مصر أكثر، أما الهدف الثالث يتمثل فى إرسال إنذار إلى الإدارة المصرية يبين غضب إسرائيل من تكرار تفجير خطوط تصدير الغاز لإسرائيل، مما دفعها إلى "الضرب تحت الحزام".
أما الهدف الرابع، هو القضاء على حالة الاحتجاجات داخل إسرائيل، لأنها تعلم أن الهاجس الأمنى لدى شعبها يتمثل فى تحركات مصر تجاهها، وبالتالى أرادت لفت انتباه الشعب الإسرائيلى إلى أن هناك خطرا يواجهها، ولابد من تكريس كافة الجهود لمواجهته، وتأجيل أى مطالب أخرى لحين تأمين دولتهم.
ورغم حنكة وبصيرة المجلس العسكرى وإدراكه للمخطط الصهيونى، إلا أنه أخطأ لعدم سحبه السفير المصرى من تل أبيب، لأن سحب السفير كان سيحقق عدة أهداف: أولها، أنه يمثل نوعا من أنواع التأديب لتلك الدولة المعتدية، ولا يمثل قطع للعلاقات الدبلوماسية، وثانياً، التقليل من الغضب الشعبى فى مصر، والذى أدى إلى تسلق (أحمد الشحات) إلى العمارة التى بها السفارة، ونزع العلم الإسرائيلى ووضع العلم المصرى، لأن المصريين لم يجدوا بديلاً، ثالثاً، أنه يرسل رسالة إلى إسرائيل بأن مصر بعد الثورة لن تكتفى بالشجب والإدانة.
وقد جاء تصرف الشاب أحمد الشحات –أحد أبناء الشرقية- بتلقائية وبدافع وطنى، ودون أى أهداف سوى التعبير عن غضبه وغيرته الشديدة على وطنه، حيث قام بتعريض حياته للخطر، لإنزال علم الدولة الصهيونية وحرقه،، ورغم ما أدخله هذا التصرف التلقائى من فرحة فى قلوب المصريين، إلا أن إسرائيل استغلته ونددت به وأظهرت نفسها على أنها المجنى عليها.
فهذا الموقف ذكرنى بما فعله الزعيم الراحل مصطفى كامل، حينما وقعت حادثة دنشواى أثناء احتلال بريطانيا لمصر، وتم إعدام 4 مصريين، فقام الزعيم مصطفى كامل باستغلال الحادثة والكتابة عنها، والسفر إلى عدة دول أوروبية للتنديد بها أمام العالم كله، وبمنتهى الحكمة والعقل والذكاء، نجح فى إحراج بريطانيا أمام العالم، مما دفع بريطانيا لعزل اللورد كروم –المندوب السامى لها فى مصر، وبالتالى فعلى المثقفين فى مصر والكتاب والدبلوماسيين والقانونيين القيام بنفس التصرف، والتنديد باعتداء إسرائيل السافر والمتكرر، وإحراجها وقلب العالم عليها، من خلال القيام بحملة عالمية، نهاجم فيها وحشيتها وهمجيتها واعتداءها على المصريين على الحدود، بل وتوصيل الأمر للمحكمة الجنائية الدولية.
أما الدبلوماسية المصرية، فأرى أنها لا تزال فاشلة فى إدارة مواقفها مع إسرائيل، ولكى تظهر لنا حسن نيتها، عليها بالضغط على إسرائيل وسحب السفير المصرى من تل أبيب، وترحيل السفير الإسرائيلى، ودفع الدول العربية للضغط على إسرائيل، لإجبارها على موقفين لا تنازل عنهما: الأول، هو اعتذار رئيس وزراء إسرائيل وليس رئيس الدولة لمصر، وأمام العالم كله، وثانيا، فتح تحقيق جاد ومشترك بين مصر وإسرائيل للكشف عن المعتدين وتقديمهم للمحاكمة، ورد حقوق الشهداء المصريين، لأن دماء الشهداء ليست بأقل من دماء الإسرائيليين الذين قتلهم البطل سيلمان خاطر عام 1985، وقامت وقتها إسرائيل ولم تقعد، إلا بتحويل سيلمان خاطر للمحاكمة العسكرية والحكم عليه بـ 25 سنة سجنًا، ثم قتله داخل سجنه، وهذا لأن إسرائيل لا تفرط فى دماء جنودها حتى وإن كانوا معتدين.
أفلا يستحق الجنود المصريون الشهداء مثل هذا التحقيق لمعاقبة المعتدى؟ فلابد أن تعرف الدولة الصهيونية أن دماء المصريين لم تَعُد رخيصة.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
كلام رااائع يخرج من قلب مصري شجاع
عدد الردود 0
بواسطة:
mostafa
لابد لمصر أن تضرب من تحت الحزام برضه
عدد الردود 0
بواسطة:
Guirguis Ehab
Good Article
You are the Best good Article.
عدد الردود 0
بواسطة:
سحر الصيدلي
كلام من قلب يملؤه الصدق و الخوف على الوطن
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد بسيونى
روح الوطنية وحدة البصيرة
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمي
حماسة م القلب
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد ربيع
مقال رااائع
عدد الردود 0
بواسطة:
موني
لابد من الرد
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد سالم
الدم الذكى الغالى
عدد الردود 0
بواسطة:
شهرت وهبة
رد على من شرقت بتعليقاتهم