تقدم الدراسة الحديثة للباحث المصرى الدكتور خليل مرعى بعنوان(العدالة فى نظام القيم السياسية الإسلامية) الصادرة عن مكتبة الآداب بالقاهرة، تعريفًا لمفهوم العدالة فى التصور السياسى الإسلامى وفى ممارسة السياسة الإسلامية من واقع متابعتها لإطاريه التنظيرى والحركي، وتقدم مقارنة بالنموذج الحضارى الغربي، وركزت الدراسة على محاولة تأصيل مفهوم العدالة وتحديد مكانتها ودورها فى بناء نظام القيم السياسية الإسلامية، ومقارنة ذلك بنظام القيم السياسية فى النموذج الغربى لتحديد إلى أى حد يختلف النظام القيمى فى كل منهما عن الآخر، وآثار ذلك التباين والتمايز ودلالاته.
كما تطرح الدراسة مجموعة من التساؤلات والأفكار التى تستحق أن تكون موضع دراسات مستقلة عن العدالة والقيم السياسية الإسلامية. وبوجه عام، فقد انطلقت من عدة فرضيات وتساؤلات محورية حول مفهوم العدالة كقيمة سياسية فى النموذج السياسى الإسلامى، وأثر ذلك فى خلق التباين بين نظام القيم السياسية الإسلامية ونظام القيم السياسية الغربية، ولذا سارت فى محورين متكاملين: المحور الأول عملية الصياغة الفكرية والنظرية للعدالة ومكانتها فى الخبرة السياسية الإسلامية، ثم عملية الصياغة التطبيقية لها.
يمكن التعرف على مجموعة من النتائج التى خلصت إليها الدراسة والتساؤلات التى طرحتها وتحديدها فى مفهوم العدالة كونه من المفاهيم الثابتة والواضحة فى الرؤية الإسلامية وفى الممارسة السياسية الإسلامية، واعتباره قيمة سياسية يحمل عدة دلالات ومعان تميزه عن ذات المفهوم فى النماذج الحضارية الأخرى، حيث يتغلغل المفهوم فى الخبرة الإسلامية فى جميع مناحى الحياة الإنسانية، ومن ثم لا يقف مبدأ العدالة الإسلامية عند حدود النظام السياسي، بل يمتد ليغطى كل لون من ألوان الرعاية والمسئولية، ومن ثم يضم كل فرد مسلم، مهما صغرت مكانته ودوره فى الحياة، فهو راع فى حدود معينة ومسئول عن رعيته، ولذلك رأينا فى سياق هذه الدراسة كيف أن العدالة الإسلامية تتحدد بدءًا من العدالة مع النفس، ثم العدالة مع الآخرين أيان كانت مكانتهم.
وأوضحت الدراسة أن مفهوم العدالة واتساعه وشموله لم يظهر فحسب فى الصياغة الفكرية والتنظيرية للمفهوم، وإنما أيضًا فى صياغته التطبيقية فى عهد الخلفاء الراشدين، حيث أكدت تلك الخبرة اتساع دائرة تطبيق العدالة وشمولها فلم تقف عند حدود عملية الممارسة السياسية بالمعنى الضيق للمفهوم حيث التعامل بين الحاكم والمحكوم. حيث أكدت على مدى حرص الخلفاء الراشدين على تطبيق العدالة الإسلامية بمفهومها الشامل وبمستوياتها المتعددة، رغم اختلافهم أحيانًا فى أنماط الممارسة وصور التطبيق، مما يضفى على هذا النموذج (نموذج الخلافة الراشدة) صورة النموذج المثالى أو القياسى فى ممارسة العدالة كامتداد لتطبيقها وممارستها النموذجية فى عهد الرسول، وقد زاد وعمق من جلاء هذه الحقيقة عملية المقارنة بين التطبيق الراشد للعدالة وبين غيره من النماذج الحضارية التى عايشته كالنموذج الفارسى والنموذج الرومانى، حيث برز الفرق واضحًا بين النموذجين، ثم مقارنة ممارسة العدالة فى العهد الراشد بالمبدأ كتصور عام فى الإسلام، حيث تأكد مدى اقتراب التطبيق من المبدأ فى كلياته المجردة، بصورة تثبت مصداقية التعميم الذى ينطلق من مقولة إنه كلما اقترب التطبيق والممارسة من المبدأ كتصور عام كلما كان هذا التطبيق أقرب للمثالية وتحقيق المبدأ بصورة متكاملة دون إخلال أو تقصير.
و انتهت الدراسة إلى أن العدالة السياسية فى التصور الإسلامى تعنى الاعتدال وعدم تجاوز الحد فى العلاقة بين كل من الراعى والرعية، وفى سلوك كل منهما تجاه نفسه وتجاه الآخرين من غير الرعية بحيث يلتزم كل طرف بحقوقه وواجباته، على النحو الذى يؤدى إلى خلق التوازن والطمأنينة داخل المجتمع وخارجه.