فى كتابه "أتباع الشاه انقلاب أمريكى وجذور الإرهاب فى الشرق الأوسط"، الصادرة ترجمته حديثا عن دار كلمات عربية، يكشف الكاتب الصحفى الأمريكى ستيفن كينرز النقاب عن أخطر عملية استخبارات أمريكية بريطانية مشتركة تمت منذ نصف قرن للإطاحة برئيس الوزراء الإيرانى آنذاك محمد مصدق، الذى شغل هذا المنصب فى الفترة منذ 1951 وحتى 1953، قبل أن يتآمر عليه البريطانيون والأمريكيون لإسقاطه، ليبدأ حكم الشاه رضا بهلوى الاستبدادى الذى استمر حتى عام 1979، حيث قضت عليه الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الخومينى.
ويبدأ كينرز كتابه، الذى ترجمته سهى الشامى، بإشارة إلى محاولات البريطانيين الفاشلة لإسقاط مصدق، بعد أن وجه لهم ضربة قاضية بتأميم البترول الإيرانى، وهو الأمر الذى تسبب فى خسارة البريطانيين لأكبر مطمع لهم فى إيران، وهو سيطرتهم على النفط الإيرانى، الذى كانت تحتكره، وكان رئيس الوزراء البريطانى "تشرشل" يسميه "غنيمة من أرض الأحلام تفوق كل ما حلمنا به"، ولكن مصدق علم بتآمر البريطانيون عليه، فأغلق السفارة البريطانية فى أكتوبر 1952، وهو ما جعل البريطانيين يلجأون لحليفهم "الولايات المتحدة" للتعاون فى إسقاط مصدق، لكن ترومان فى ذلك الوقت لم يكن متحمسا لهذا نظرا لتعاطفه الشديد مع القوميات الجديدة، واحتقاره للإمبرياليات من الطراز القديم المجسدة فى مديرى الشركة البريطانية الإيرانية.
ويلفت مؤلف الكتاب إلى أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية حيال الانقلاب فى إيران تغير تماما بعد انتخاب "إيزنهاور" فى نوفمبر 1952، حيث استطاع البريطانيون إقناع جون داليس وزير الخارجية الأمريكى وقتها، وشقيقه "آلان داليس" مدير المخابرات المركزية آنذاك، أن إيران تمثل خطرا شيوعيا، خاصة أن بها حزبا شيوعيا نشطا، ورئيس وزراء يؤمن بالقومية، وهو ما رجح لدى الأخوان داليس أن إيران مهددة بالوقوع فريسة للشيوعية قريبا، وهو ما جعل الأمريكيين يستجيبون لاقتراح البريطانيين بخطة الإطاحة بمصدق، واستبدال رئيس وزراء موال للغرب به.
ويلفت مؤلف الكتاب إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تدفع ثمن عبثها ومساعدتها لهذا الانقلاب اليوم، بعد مضى نصف قرن، لافتا إلى أن هذا التدخل الأمريكى فى الشأن الإيرانى حرك قوى شكلت تهديدا خطيرا للأمن القومى الأمريكى.
ويشير المؤلف إلى أنه لو لم ترسل أمريكا عملاءها لخلع رئيس الوزراء الإيرانى محمد مصدق منذ نصف قرن، لسارت إيران على طريقها نحو تحقيق الديموقراطية، الكاملة، ولأصبحت خلال العقود التالية أول دولة ديموقراطية فى الشرق الأوسط الإسلامى، ولكن تدخل أمريكا الذى حدث فى إيران عام 1953 أدى إلى توقف إيران وحكم الشاهة بنظام القمع المتزايد طوال 25 عاما، وأدت سياسته إلى الانفجار الذى حدث أواخر السبعينيات وهو ما أتى بالثورة الإسلامية التى يراها مؤلف الكتاب أتت بمجموعة من رجال الدين المتطرفين فى معاداتهم للغرب والذين عملوا بجهد بالغ من أجل تقويض المصالح الأمريكية فى كل أنحاء العالم.
ويشير المؤلف إلى أن محمد مصدق رئيس الوزراء الإيرانى الذى خلعته أمريكا، كان يؤمن بالقومية، ويعتنق المبادئ الأمريكية الأساسية، لكنها استبدلته بطاغية، يحتقر كل ما تمثله الولايات المتحدة الأمريكية، ويجد العالم الغربى فى مواجهة نظام فى طهران يجسد مخاوف أشد عمقا من تلك التى سعى إلى القضاء عليها عام 1953.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة