لم نكن نعلم .. ولا نتوقع.. كنا نسمع عن المرض اللعين لكنا كنا نعتقد أن تلك المآسى تحدث لغيرنا فقط .. ونحمد الله سبحانه وتعالى على أنها لم تطل أيا من أحبابنا. لكنه كان يقترب .. ربما ببطء لكنه كان كالثعبان المتسلل.
أصعب لحظة فى حياة أى شخص سواء كان مريضا او مرافقا لمريض .. حين ينظر الطبيب الى التحاليل أو الاشعات ويقول بكل بساطه : اه ده بالتأكيد سرطان.
مهما كانت المقدمات من شكوك الاطباء .. ومهما كانت الاعراض واضحة .. ومهما كانت درجة إيماننا بالله سبحانه وتعالى وبالقضاء والقدر .. كل شىء يبدو رماديا فى تلك اللحظة.
لا نفكر ساعتها فى الموت القريب لأننا نعرف ان الموت يجرى منا مجرى الحياة، لكننا نفكر فى الآلام التى سوف يعانيها المريض .. فى حالته النفسية عندما يعرف – اذا لم يكن قد عرف بعد – فى حالتنا النفسية نحن مرافقوه .. فى تأثير ذلك على حياته كلها.
أعلم جيدا أن كل مريض هو حالة من مئات او اكثر بالنسبة للطبيب لكنه بالنسبة لمن حوله أب يمثل الأمن والحزم والأمان أو ام تمثل ركيزة المنزل ونبع الحنان أو ابن يمثل الامل فى الغد .
ورغم أن هناك أمراضا مصرية أخرى قاتلة مثل الكبد .. نعلم جيدا أنها تقترب أيضا وبسرعة.
إلا أن السرطان يبقى دائما الكارثة الأكبر فى حياتنا .. لا أعلم لماذا ولكن ربما لارتباطه فى أذهاننا منذ الصغر بأنه انتقام الله سبحانه وتعالى من الفاسدين الذين يشربون الخمر أو الفنانين الذين يسهرون ويعيشون حياة العربدة، أو الكفرة الذين يعيثون فى الأرض فسادا . هكذا قالت لى جدتى رحمه الله عليها .
لكن حين يصاب بالمرض من نعرف يقينا بانهم براء من كل ذلك .. عندها نقف امام المعضله ونحاول ان نتذكر متى ولماذا أصيب بهذا المرض؟
وحين يمرض به أطفال بعمر شهور .. هنا نعجز تماما عن التفكير فى اى شيء , ولا نجد امامنا سوى الرضى أو محاوله الرضى او على الاقل تقبل الأمر الواقع.
حينما تحيا حياتك كلها تحترم وتحب وتخشى شخصا واحدا لانه بالنسبه لك الامن والعاطفه والحزم وعمود حياتك .
تكبر على طاعته حتى لو كان مخطئا . حتى لو كان على حساب ذاتك وحياتك . تنظر له دائما على انه الأكبر والاهم والوحيد القادر على حمايتك وفهمك والضغط عليك .. ثم تكتشف فجأه اصابته بما يجعله اضعف من ان يثور مره اخرى فى وجهك.
كان منذ شهور قليله مسيطرا تماما على كل مجريات حياته وحياتك انت ايضا والان ... لا تستطيع حتى ان تصارحه بحقيقه مرضه حتى لا يتألم اكثر من آلامه الحاليه ... ربما، لو لم يعلم بحقيقه مرضه، ربما ينجو منه ...
حينما يمرض من هو اقرب اليك من اولادك .. ساعتها يتغير منظور كل شيء .
تنظر اليه وتحاول تقبل الامر الواقع وربنا تحاول التخفيف عنه قليلا بأى صوره لكن تبقى دائما حقيقة واحدة .. المرض.
قبل شهور قليله حاولت التطوع فى حمله بناء معهد الشرقيه للاورام لكنى لم أعطه جزءا كبيرا من وقتى . لكن الآن .. سأعطيه الجزء الاكبر .. ليس فقط لان المرض قد وصل الى بيتى .. لكن لانى رأيت اليوم فى مستشفى صيدناوى فى قسم الاورام، اطفالا رضع لم يأخذوا حظهم من الحياه بعد .. اطفالا، كان المفترض انهم الامل فى دنيا جديده لأسرهم، كان المفترض ان يكبروا ليخففوا المعاناه عن اهلهم ,, وبدلا من ذلك اصابهم المرض فقتل فى قلوبهم البريئه كل فرحه وزرع فيهم الآلم بدلا من الآمل واصبحت معاناتهم هى الهم الاكبر لعائلاتهم المساكين .
اعلم ان مريضى لن يرى هذا الصرح الطبى يكتمل وربما لن اراه انا ايضا لكن اولادى سوف يمرون ذات يوم امامه ويفتخرون بانهم زاروه يوما حينما كان حلما ينتظر من يحققه.
ولأن المرض اقرب مما نتوقع، ادعوكم جميعا للتبرع بثمن وجبة إفطار فى رمضان لصالح المعهد .. فهذا اقل ما يمكن أن نقوم به لصالح هؤلاء الأطفال عسى الله سبحانه وتعالى ان يبعد عنا هذا المرض او ينجينا منه . فلنتشارك فى الخير والدعوه لله سبحانه وتعالى ان يشفى مرضانا جميعا . اللهم آمين.
