إبراهيم أصلان

عشرون عاماً قد مضت

الجمعة، 19 أغسطس 2011 03:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل أيام عثرت على شريط مسجل من النسخة الأصلية لفيلم «الكيت كات»، التى كان أهدانيها صديقى المخرج المبدع داود عبدالسيد، وانتابنى الذهول عندما تبين لى من واقع التاريخ المسجل باليد أن عشرين عاماً مضت على إنتاجه.

عشرون عاماً. هكذا جلست أفكر وأتذكر كيف أننى كنت عائداً فى طريق النيل بالولدين هشام وشادى، وهما صغيران من مدارس كوبرى الجلاء، التى كانت تشغل المبنى العريق قبل الكوبرى، بحديقتها وملاعبها الكبيرة، التى أزيلت الآن وبنى مكانها برجين عاليين يطلان على النهر. كما فكرت وتذكرت كيف اعتدت القيام بذلك كل يوم. أذهب بهما صباحاً وأعود لآخذهما.. وكيف أننى أثناء عودتى رأيت اللمة على الشاطئ ولمحت داود هناك، وركنت الفولكس القديمة ونزلت وعرفت الولدين به والفنان الكبير محمود عبدالعزيز، الذى وقف فى جلبابه الأبيض والفنان على حسنين استعداداً لتصوير مشهد الغرق فى مياه النهر، كذلك الفنان شريف منير بعد ما استيقظ، وغادر القارب المركون خارج الماء. ثم إننا قضينا وقتاً نتفرج وركبنا الفولكس وذهبنا إلى البيت.

مضت فترة ثم دعانى داود، من باب اللياقة غالباً، للقائه فى ستوديو جلال لاحتساء القهوة ومتابعة شىء من العمل. وقد ذهبت إلى هناك وعبرت المدخل ورحت أمشى فى منطقة غير محددة بها بعض البنايات، التى لم أعرف أن كانت تابعة للاستوديو أم لا حتى وصلت إلى مكان به مقهى خالٍ ومن فرط طبيعيتها ظننتها حقيقية، وليست مكاناً أعد بالكامل للتصوير، وأن علىّ أن أعبرها وأستمر فى طريقى، ثم إننى انتبهت إلى دكان نصف مغلق يجلس أمامه أحد الكومبارس (اتضح فيما بعد أنها العين التى تتجمع بها شلة السهر ليلاً مع الشيخ حسنى) كذلك انتبهت لدكان المعلم صبحى تاجر الطيور والأقفاص على جانب منه، وهناك استقبلنى داود، حيث لمحت فنان الديكور أنسى أبوسيف ركعاً على ركبتيه أمام جدار جانبى مصنوع، كان يقترب بوجهه منه وفى يده أداة يحدث بها خدوشاً متمهلة وبعناية فائقة لكى يصل إلى التأثير الذى كان يسعى إليه، وهى تأثيرات بدت فى النهاية لا تترك أثراً لليد التى تصنع ولكن للزمن الذى مضى.

بعدما نفض يديه وتصافحنا أخذنى جانباً، وطلب منى أن أتأمل المكان على بعضه واضعاً فى الاعتبار أنهم راعوا أن تكون المنطقة الشعبية التى تظهر فى خارج الاستوديو بمبانيها العشوائية جزءاً من المشهد العام، وراح يتابعنى قلقاً قبل أن يسألنى إن كان توصل إلى التعبير عن روح الرواية أم لا، ولما أكدت له أنه فعل ذلك بامتياز، أدهشنى تواضع ذلك المبدع وهو يقول مبتهجاً:
الحمد لله. خلاص، أنا كده ارتحت.
لقد تم التصوير هنا وفى منطقة الكيت كات، وعندما شاهدت الفيلم كاملاً كان يلتبس علىّ، أنا الذى قضيت عمرى هناك، التفرقة أحياناً بين المكانين.
كانت هذه من المرات القليلة التى دعيت فيها لحضور جانب من التصوير. حدث ذلك أيضاً مع صديقى المخرج مجدى أحمد على أثناء تحقيق عصافير النيل. وأنا قادر على تفهم ذلك وأفضله بشدة، لأن مخرجاً لن يشعر بالراحة، غالباً، وهو يعمل على رواية فى حضور كاتبها، الذى قد يكون عدم وجوده أكثر مدعاة لتفادى أى حرج أو ارتباك فى أغلب الأحوال.
المهم أن الليل كان أقبل حين جلست وداود نحتسى القهوة فى جانب من المكان. لا أذكر المناسبة، التى جعلتنا نتحدث عن سينما يوسف شاهين. ما أذكره أننا لم نختلف كثيراً فى ما تبادلناه حولها، ثم إننا انتقلنا نتكلم عن السينما والأدب، ولما كانت السينما الجيدة أحد أهم مصادر المتعة والإلهام بالنسبة لى، قلت إننى كلما شاهدت فيلماً حقيقياً وجدتنى أقول: هذه هى الكتابة.
وداود قال:
ونحن أيضاً، كلما قرأنا كتابة جيدة قلنا: هذه هى السينما.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة