لقد سعدنا جميعا ببدء محاكمة مبارك فى يوم 3 أغسطس لِما شعرنا به من بداية حقيقية لجنى ثمار الثورة ولتأخذ العدالة مجراها ويتم الثأر لدماء الشهداء، أما فى الجلسة الثانية من المحاكمة بدأ شعور الإحباط يتسلل إلى الكثيرين منا لِما رأيناه من تأجيل للمحاكمة والمماطلة فيها وعدم الضرب بيد من حديد على المتهمين وإسقاط أقصى العقوبة عليهم.
كما رأينا نشاطا واضحا لمؤيدى الرئيس المخلوع وإثارتهم للفوضى، هؤلاء المؤيدين - أبناء مبارك - لم يتضرروا من النظام السابق فى شىء، بل كانت لهم مصالح معه، أنهم لم يكونوا يوما من الشعب المطحون، ولم يشعروا يوما بقهر شاب متفوق لم يعين معيدا بالجامعة، لأنه ابن عامل بسيط ولا يملك "واسطة"، لم يتألم قلبهم كما تألم قلب أم على ابن تم اعتقاله لمجرد أنه يحافظ على صلاة الفجر فى المسجد، أما بعد انهيار ذلك النظام بالتأكيد تعطلت مصالحهم كثيرا (وبكده يبقى فعلا لهم حق يحبوه ويعيطوا عليه)، وربما كانوا مجرد مأجورين لنشر الفوضى والبلبلة.
وعلى خلاف الجلسة الأولى للمحاكمة لم يثر مشهد دخول مبارك قفص الاتهام محمولا على السرير أى تعاطف من المواطنين الذين أجمعوا على ضرورة حصول الشعب المصرى على حقه كاملا، من كافة الذين أفسدوا الحياة العامة والسياسية، ونهبوا ثروات البلاد على مدى عدة عقود.
و لفت انتباهى كثيرا مشهد علاء مبارك وهو يحاول منع تصوير والده الرئيس المخلوع بعد نزوله من عربة الإسعاف، وبكل جرأة وضع يده على الكاميرا ليمنع التصوير.. وكأنه ظن أن بوسعه أن يأمر وينهى ويمنع ويعطى، كما كان فى السابق.. فهل يعقل هذا؟
ربما هو واثق من تبرئته، ربما أيضا واثق فى محاميه الذى بدأ يتلاعب ويماطل المحكمة ليكسب الكثير من الوقت، ليجد لنفسه ثغرات يستطيع خلالها أن ينقذهم من هذا الشَرَك.
كلنا يسأل السؤال ذاته "لماذا لا يحاكم مبارك أمام محكمة عسكرية ويعدم فى ميدان عام؟ بل لماذا لم تشكل محكمة ثورية أصلا؟ كلنا يعلم بما فينا المحكمة التى يمثل مبارك أمامها والمجلس الأعلى للقوات المسلحة وكل أفراد الشعب أن مبارك والعادلى، هما المتورطان الرئيسيان فى قتل المتظاهرين، هذه المسألة واضحة كوضوح الشمس للجميع، فلا يعقل أن يعطى وزير الأمر بقتل المتظاهرين بدون إذن مباشر من رئيس الجمهورية.
وهناك نظرية فى القانون المصرى تقول إن يسأل الأصيل عن فعل التابع، وكلهم تابعين لمبارك فالمسئولية تفع على عاتقه فى كل شىء.
وعلى الجانب الآخر نرى مجموعات من الشباب (شباب الثورة) مثل أسماء محفوظ وغيرها، يمثلون أمام المحكمة العسكرية بتهم غاية فى الصغر، إذا ما قورنت بقتل المتظاهرين الأبرياء الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم المشروعة، فهل هذا يعقل أيضا؟
وكأن الثورة بدأت تأكل الثوار أنفسهم، والبعض يقول بأن مبارك شأنه شأن أى متهم عادى لابد أن يحاكم محاكمة عادلة توفر له فيها كل الضمانات.. ولكن أقول: أولا هو ليس متهما عاديا، إنه قاتل، ثانيا هو ليس رجلا عاديا، لقد كان يرأس دولة وعليه أن يكون على دراية كاملة بكل ما يدور فيها، إنه متهم مسئول عن قتل شباب فى مقتبل العمر بدون أن يحاكمهم لا أمام محاكم مدنية ولا حتى أمام محاكم عسكرية، قتلهم على مرئى ومسمع من العالم أجمع.
أما عن الفساد والمليارات المنهوبة وخيرات البلاد وحقوق العباد التى ضُيعت فحدث ولا حرج، فضلا عن المعتقلين السياسيين الذين قضوا ما يقرب من نصف عمرهم فى السجون بدون تهمة واضحة، ولا هم مثلوا أمام محاكم مدنية ولا عسكرية.
بعد كل هذا وغيره كثير.. هل سننتهى من فيلم محاكمة مبارك قريبا أم بعد أمد طويل، وهل سيكون الحكم الذى سينفذ ضده حكما عادلا مرضيا لنا ولدماء شهدائنا، أم أنها محاكمة شكلية فقط أجريت لامتصاص غضب الرأى العام؟
د. سارة المهدى تكتب: بدأت محاكمة مبارك.. وشكلها كده مش هتنتهى
الجمعة، 19 أغسطس 2011 02:12 م