المستشار إسلام إحسان

لمصلحة من إضعاف النيابة الإدارية؟

الخميس، 18 أغسطس 2011 10:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يطالب المصريون بحق إصلاح الوظيفة العامة فى مصر، وهو مطلب مشروع بعد أن تفشى الفساد فى كل المرافق العامة، فساءت أحوالها على نحو غير مسبوق، وعجزت عن أداء دورها فى خدمة أفراد الشعب وتلبية احتياجاتهم الأساسية، وأصبح الحصول على خدماتها مرهونا بسداد الرشى، أو من خلال الواسطة والمجاملات.
و تتعدد الأسباب التى أدت إلى ما آل إليه حال المرافق الحكومية المختلفة، وعلى رأس هذه الأسباب تأتى السياسة الحكومية الممنهجة التى تم اتباعها من خلال الحكومات السابقة، وعلى مدار عقود عديدة مع النيابة الإدارية، وهى الهيئة القضائية المنوط بها محاسبة الموظفين العموميين تأديبيا ومكافحة القصور فى أدائهم لأعمالهم الوظيفية، وقد كان الهدف من إنشاء النيابة الإدارية تحقيق ضمانات الحيادية التامة للقائم بالتحقيق الإدارى بعيدًا عن تأثير الرئيس الإدارى بما يكفل حيادية التحقيق ونزاهته، ويضمن أن يكشف التحقيق عن مرتكب الجريمة التأديبية أيا كان مركزه الوظيفى دون تستر عليه من أحد، وكذلك ضمان عدم التنكيل بالموظفين وتوقيع الجزاءات عليهم دون وجه حق استنادا إلى تحقيقات صورية تكون أداة فى يد الرئيس الإدارى، مما يؤدى إلى الإضرار بالمصلحة العامة للمرفق العام، وغياب العدالة وإشاعة الإحساس بالظلم بين الموظفين العموميين، والذى لا يقلل من إثارة السلبية الضارة على الموظف القول بأن أمامه باب الطعن أمام القضاء على الجزاءات الموقعة عليه، إذ خير للموظف أن لا يعاقب ابتداء ظلما، عن أن يتكبد مشقة اللجوء إلى القضاء لرفع ما حاق به من ظلم.
والنيابة الإدارية هى القوامة على الدعوى التأديبية نيابة عن المجتمع الوظيفى وهى منزهة عن الهوى الإدارى وكان من المفترض أن تباشر عملها فى حرية تامة، وأن تلقى كل دعم من الدولة لتمكينها من أداء رسالتها، فهى ببساطة اليد العادلة للدولة فى محاربة الانحراف الوظيفى، لكن ذلك لم يحدث، بل العكس تماما هو الذى حدث، فبدلا من أن تجرى مياه كثيرة فى نهر النيابة الإدارية، تم تجفيف مياهها عمدا، إذ تم إضعاف النيابة الإدارية طيلة السنوات السابقة، وضعت العراقيل أمامها، جرى تكبيلها بقوانين ولوائح معيبة، ورفضت الحكومات المتعاقبة على مدار العشرين عاما الماضية تلبية مطالب النيابة الإدارية بتعديل قانونها لتمكينها من أداء رسالتها المهمة فى مكافحة الفساد المالى والإدارى ومحاسبة القيادات الإدارية، وإنصاف الموظفين الذين يتعرضون لقهر وظلم من رؤسائهم، وهو ما انعكس بشدة على الجهاز الإدارى للدولة، وأدى إلى انتشار الفساد وزيادة تسلط الرؤساء الإداريين على مرؤسيهم، وفقدان الإحساس بالعدالة لدى أغلب الموظفين العمومين، فالهيئة القضائية المفترض أنها مستقلة فى عملها غير قادرة على حماية من يثبت التحقيق براءته، وغير قادرة على محاسبة الرؤساء المنحرفين، فكانت الكارثة كبرى التى أدت إلى انهيار الوظيفة العامة.
فقانون النيابة الإدارية الحالى ضعيف وملىء بالثغرات التى تعوق عمل النيابة الإدارية، لا يساعد على مكافحة الفساد، بل ييسره ويساعد عليه ويفتح السبل أمامه، فهل يتصور أحد أن ذلك القانون ينص على أن تباشر النيابة الإدارية التحقيق فى الجرائم والمخالفات، وبعد ذلك تطلب توقيع العقاب على من تثبت مسئوليته عن ارتكاب هذه الجرائم، ثم يحال الأمر بعد ذلك إلى الرؤساء الإداريين ليتصرفوا فى التحقيق بحرية مطلقة كيفما يشاءوا دون مراجعة من النيابة الإدارية، إذ تقف النيابة الإدارية مغلولة الأيدى لا تملك الاعتراض على قراراتهم رغم أنها فى المقابل تملك الاعتراض على أحكام المحاكم التأديبية، وهى مفارقة غير مقبولة وغير منطقية، فالنيابة تستطيع مراجعة القضاة فى أحكامهم وتملك الطعن عليها ولا تستطيع أن تفعل ذلك مع المسئولين الحكوميين رغم أن المفروض أن يحدث العكس، ولأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة أهدرت نتائج التحقيقات، وانعدمت المحاسبة الجادة.
ولم يقف الخلل عند هذا الحد بل وصلت الفوضى إلى أن كل هيئة عامة تعمد إلى إصدار قرارات إدارية بإلغاء اختصاص النيابة الإدارية بالتحقيق فى المخالفات المالية التى تحدث بها، ولا شك أن هذه اللوائح والقرارات تهدف إلى التستر على المخالفات المالية وحماية مرتكبيها الذين يكونون عادة من القيادات الإدارية، لقد تفشى هذا الخلل الجسيم حتى أصبحت الجهات التى لا تخضع لولاية النيابة الإدارية أكثر من التى تخضع لولايتها، رغم أن أموالها جميعا أموال عامة وهو ما كان يستوجب فرض الحماية التأديبية عليها بإخضاعها لولاية واختصاص النيابة الإدارية.
لقد حدث ذلك كله تحت سمع وبصر الحكومة، وبرضاها، ولم تحرك ساكنا لمواجهته، بل تعمدت فى إصرار مريب على رفض كل مشروعات القوانين التى اعدتها النيابة الإدارية، وتقدمت بها لوزارة العدل منذ عام 1990 وحتى الآن، عشرات من مشروعات القوانين عكف على إعدادها نخبة من مستشارى وشيوخ النيابة الإدارية وضعوا فيها خلاصة خبرتهم لتفعيل النيابة الإدارية، ومن ثم تحقيق حماية حقيقية للمال العام، لكن ألقى بتلك القوانين فى الأدراج، فشاع الفساد واستشرى الإهمال، وباتت النيابة الإدارية مكبلة ومقيدة، تعمل بقانون مشوه، يضعفها أكثر مما يدعمها، يسلب من اختصاصاتها أكثر مما يضيف إليها.
لا يختلف اثنان على أن النيابة الإدارية تحقق بعملها مصلحة الفرد ومصلحة الإدارة ومصلحة المجتمع ككل فى آن واحد، فمن مصلحة الفرد أن يتم التحقيق معه أمام جهة محايدة ومستقلة عن سيطرة رئيسه الإدارى، ترفع الغبن عنه دون خوف أو وجل، وهو ما يمكن للنيابة الإدارية أن تقوم به إذ إنها مستقلة عن جهة الإدارة، ومن مصلحة الإدارة أن تكون التحقيقات الإدارية محايدة ونزيهة، تكون عنوانا للحقيقة المجردة، فيتم تبرئة الموظف المظلوم إذا كان يستحق ذلك، فيتحقق الأمان للعاملين فينصرفوا لأداء أعمالهم فى استقرار، ومساءلة المذنب مهما علا مركزه الوظيفى.
والآن وقد انتفض الشعب وثار، ليحقق الإصلاح، والإنصاف، وارتفعت الأصوات مطالبة بمكافحة الفساد، ومحاسبة المفسدين، يحلم المواطن أن يذهب لقضاء مصلحته فى أى جهة حكومية دون أن يحتاج إلى واسطة، أو يضطر إلى دفع مقابل ليحصل على حقه، حلم مشروع، فاستبشرت خيرا بقرب تعديل قانون النيابة الإدارية لكسر أغلالها وفك قيودها، ولكن تمضى الأيام ولا مجيب، ولا أعرف من المستفيد، يظل السؤال يدق رأسى بعنف، لمصلحة من يتم اليوم إضعاف النيابة الإدارية؟!.
* مستشار بالنيابة الإدارية





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد القاضي

أحترم رأيك يا سعادة المستشار

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى

كلام جميل وكلام معقول

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد سعداوى

ولكن...

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري اصيل

فعلا لمصلحه من تعطل النيابه الاداريه

عدد الردود 0

بواسطة:

الله ينور

كلام جميل من رجال النيابة الإدارية

عدد الردود 0

بواسطة:

بحيرى

الى صاحب التعليق رقم 3

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد من المنصورة وموظف بالتربية والتعليم

كلمة حق يراد بها باطل

عدد الردود 0

بواسطة:

الى التعليق رقم 7

الى التعليق رقم 7

عدد الردود 0

بواسطة:

وليد الحضرى رئيس النيابة الادارية

الى محمد موظف التربية والتعليم

عدد الردود 0

بواسطة:

اشرف

مقال محترم و يجب تدعيم النيابة الادارية

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة