صاحبة «يا أغلى اسم فى الوجود» الفنانة الكبيرة نجاح سلام: لم أكن أتمنى لمبارك هذه النهاية .. لكن شهداء مصر عندى أغلى

الخميس، 18 أغسطس 2011 11:36 ص
صاحبة «يا أغلى اسم فى الوجود» الفنانة الكبيرة نجاح سلام: لم أكن أتمنى لمبارك هذه النهاية .. لكن شهداء مصر عندى أغلى جانب من حوار "اليوم السابع"
حاورها - وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
- حينما رأيت الجمال تقتحم ميدان التحرير قفزت من فوق السرير وناديت: امسكوهم.. امسكوهم
- حبنا لعبدالناصر كان عفوياً.. وهذه قصتى يوم أن مر موكبه من تحت بيتنا
- وزارة الإعلام كانت شغالة بالرشاوى والعرى ولهذا ضعف دور مصر الثقافى


هى الرقة إن أردت أن ترى للرقة تجسيدا حيا، وهى الوطنية إن أردت أن تبحث لها عن صوت ناصع ومهيب، وهى أم وأخت وحبيبة للمصريين الخلصاء، شاهدها وهى تتكلم عن مصر لتدرك أن لهذا البلد أبناء «حلال» يبرون أمهاتهم ويقدسونها ويحبونها ببساطة وتلقائية كما يتنفسون ويحلمون ويبتسمون، اسمعها وهى تقول: يكفى أن أرى وجها مصريا لأشعر بالراحة والطمأنينة، لتتأكد من أنها القريبة إلى القلب، واللصيقة بالروح، والعفية القوية الندية الباهرة فى كل وقت، وأن صوتها أصبح كما النيل «مقبرة للغزاة» بعد أن اكتسبت منه سمة من سمات الخلود.

اسمها المنفرد المجلجل يبعث فى النفس سكينة وفرحا وطمأنينة، يكفى أن تتذكرها لتهب عليك روائح الماضى الكريم، ونسائم الحرية الأبية، ويكفى أن تسمع صوتها الصداح يشدو لتتأكد من أن الحلم بالحرية والعدالة والمساواة من الممكن أن يصبح أمرا واقعا لا حلما مراوغا، كان من الطبيعى أن ننساها فى الأيام الغابرة برغم أنها لم تفارقنا، وطبيعى أيضا أن نتذكرها فى ذات الأجواء «الثورية» التى تألقت فيها وأبدعت وتجلت، نسيناها فى وقت نسينا فيه كل شىء جميل، ثم هفت على الروح كنسمة باردة حنون ونحن نحاول أن نستعيد لمصر مجدها لتبقى كما أرادت لها «أغلى اسم فى الوجود».

كنا نسمع صوتها فى الميدان فترتجف أرواحنا ونحن نردد «نعيش لمصر ونموت لمصر.. مصر.. مصر.. تحيا مصر»، هى نجاح سلام التى قطعت على نفسى وعدا يشبه النذر بأن أزورها وأجلس بين يديها، إذا نصرنا الله وقتما كنا نسمع أغانيها فى ميدان التحرير، وحينما زرت بيتها وجدته مثلها، رقيقا ونظيفا وعطرا، كل زاوية فيه تكاد تصرخ «أنا عربى»، المصحف على يمينها والمكتبة التاريخية والإسلامية على يسارها، بينما تجلس هى بكل وقار ورقة وتلقائية، تتذكر وتغضب وتروى وتضحك.

كان طبيعيا أن يكون أول أسئلتى لها عن أغانيها الوطنية «أنا النيل مقبرة للغزاة» و«يا أغلى اسم فى الوجود» وملابسات غنائها لهاتين الأغنيتين فقالت: فى اليوم الذى كانوا يضربون فيه القاهرة أثناء العدوان الثلاثى كنت فى بيت نعيمة عاكف، وكانت - رحمها الله - من أنبل الشخصيات وأكرمها وأرفعها خلقا، «نحنا قاعدين رأينا ما يشبه البلونات المضيئة فى السماء وأصوات الانفجارات تدوى» ففزعنا وأيقنا أن العدوان يهاجم القاهرة، فاتصل بى زوجى المرحوم «محمد سلمان» وأخذنى على البيت ثم اتصل بى الأستاذ أحمد سعيد واستدعانى إلى مقر الإذاعة مباشرة، وكنا أثناء العدوان الثلاثى على مصر نبيت فى الإذاعة، لأسجل أغنية «أنا النيل مقبرة للغزاة» التى كانت لأم كلثوم، لكنها طلبت أن تغير مقطعا فيها فلم يرض رياض السنباطى بالتغيير، وقال لها لن أغير شيئا، كما أن الوقت لا يسعفنا للتغيير؛ لأن المعركة محتدمة، ولابد أن ننجز هذه الأغنية بأسرع وقت، وذهب رياض إلى أحمد سعيد الذى اقترح على أن أغنيها، فوافقت فورا، وحينما أسمعنى الأغنية طرت بها وقبلت يدى رياض السنباطى وسجلتها على الفور، وأذيعت فور انتهائى من تسجيلها، وهذه الأغنية كانت إشارة البدء للمعارك الطاحنة لإسرائيل، لدرجة أن موشى ديان قال عنى فى الكنيست: أوقفوا هذا الصوت لأنه يهز عرش إسرائيل، ولم أكن أعلم أن السيدة العظيمة أم كلثوم كانت ستغنى هذه الأغنية إلا حينما عقدت إذاعة صوت العرب لقاء معى، وطلب الإذاعى الكبير أحمد سعيد أن يقوم بمداخلة، وقال هذه المعلومة على الهواء، أما أغنية «يا أغلى اسم فى الوجود» فقد استدعانى الأستاذ حسن الشجاعى، رئيس لجنة الاستماع بالإذاعة، لأغنيها، وكان الأستاذ محمد الموجى موجودا، فقال لنا نريد أن نسجل أغنية «يا أغلى اسم فى الوجود»، وأسمعنا الكلام وقال للموجى أرجوك ليس لدينا وقت كاف، فحاول أن تنتهى من تلحينها بأسرع وقت ممكن، فوافق الموجى، وانتهينا من الاتفاق على أن نأتى غدا، وبينما نحن نازلون على السلم، كان الموجى يدندن بكلمات الأغنية، وقبل أن نخرج من الإذاعة التفت إلى وقال: انتهيت من اللحن، هيا لنصعد مرة أخرى لنسجله، وكل هذا لأننا كنا محملين بالقضية ومتفاعلين معها، وكنا نشعر أننا ندافع بأصواتنا عن بلادنا وتاريخنا وحضارتنا.

بدون أن أسألها تقول: أحمد الله أننى عشت لأرى الثورة المصرية التى أعتبرها أعظم وأشرف حدث فى تاريخ العالم، وللحق فقد تركت مصر «من القرف اللى كنت بشوفه»، فقد شعرت فى الفترة الأخيرة بالغضب الشعبى أصبح خارجا عن السيطرة، وأن الذوق العام فى تدن مستمر، و«الوسخ» فى كل الأماكن والأحياء والمدارس، وأن الأغانى التافهة هى السائدة، وأن الفن الحقيقى مستهدف وغير مرغوب فيه، فقد كانت وزارة الإعلام فى مصر قبل الثورة بقيادة صفوت الشريف ومن تلاه مفتوحة لمن يدفع أكثر ويتعرى أكثر، ولذلك فقد اختفت أغانى أم كلثوم ووردة وسعاد محمد وحورية حسن، ولأنى من جيل يحترم نفسه لم أكن لأدور على المكاتب فى الإذاعة والتليفزيون ليذيعوا أغانىّ، ولهذا توارى وجه مصر الثقافى لأن دورها الحضارى الذى كانت تقوم به الإذاعة والتليفزيون اختفى وراء العرى والرشاوى، «وأصبح كل شىء جايز بس تظهر البرايز»، والحمد لله معظم من كانوا على هذه الشاكلة ذهبوا للسجون، والحمد لله أن شباب مصر لم يستجيب للطمس الحضارى الذى كانت تخطط له هذه العصابة، والأصالة المتوغلة فى الشباب المصرى وتربيتهم الفنية الوطنية الراقية هى التى جعلتهم يبدعون هذه الثورة العظيمة التى لم تحدث فى تاريخ العالم.

أسألها من يعجبك من المطربين الجدد فتقول: هناك العديد من الأصوات الشابة التى تعجبنى، وأفضلهن آمال ماهر، لكنى أعرف لماذا لم تأخذ حقها فى الشهرة والتألق، وعلى ما يبدو أن هناك شيئا خاطئا فيها، وهناك أيضا من الأصوات الجيدة، وائل جسار وملحم زين وجنات، لكن الأزمة ليست أزمة أصوات، ولكنها أزمة ألحان، أما أصالة فإمكانات صوتها ممتازة لكن طريقتها فى الغناء تزعجنى، والمثل يقول «وشوشنى وأنعشنى»، ومن المعروف أن الصوت له «أوكتافات» معينة، ولما بتزيد عن حدها بتتقلب لضدها، فاستعراض الإمكانيات بيروح السلطنة من الغنا، المغنا مش فرد عضلات، أما جورج وسوف فقد كان من الأصوات الممتازة، لكنه الآن أصبح يغنى بالعلم وليس بالجمال، ومن وجهة نظرى فإن عدم وجود لجان بالإذاعة سبب تدهور الغناء العربى، فقد كانت هناك لجان للألحان، وأخرى للأصوات، وأخرى للكلمات والنصوص، وكان الأستاذ أحمد رامى رئيس لجنة النصوص، وذات يوم كنت أسجل أغنية شامية للإذاعة أقول فيها: لا المرسال ولا المكتوب بيغنوا عنك يا محبوب واليوم اللى ما بشوفك فيه من أيامى مش محسوب، فقال لى اسمحى لى سآخذ هذه الجملة، فأخذها وحولها إلى أغنية أم كلثوم: «عودت عينى على رؤياك وإن مر يوم من غير رؤياك مينحسبش من عمرى».

لا تخفى السيدة نجاح غرامها بمصر وشعبها، وتقول: أنا شخصيا عندى تعصب كتير لمصر، لدرجة أنى أشعر بالخجل إذا ما رأيت بها شيئا غير مكتمل، وأريد أن تكون مصر دائما الأولى فى كل شىء، ولا تتخيل مقدار سعادتى حينما كنت أتلقى العلاج بالكويت ووجدت أن أشهر الأطباء وأمهرهم مصريون أو تعلموا فى مصر، وأتعجب لماذا لم تستغل مصر قدراتها البشرية على الوجه الأمثل حتى الآن؟! فكيف يكون أحمد زويل مصرى ولا تفتح له المجالات لعمل طفرة علمية ونهضة كبيرة؟! فمن وجهة نظرى زويل أفضل ألف مرة من أى رئيس جمهورية، وكذلك الفنان المحترم أفضل من ألف رئيس جمهورية لأن موهبته من الله، ولم يتفضل عليه أحد بها، لكن مع الأسف فى بلادنا هنا الآية مقلوبة، وهذا ما يحزننى لأن مصر لم تكن كذلك إلا فى أيام مبارك، وأتعجب كيف لا يكرمون الفنانين أصحاب البصمات الفنية الكبيرة، ولا يتذكرونهم إلا فى وفاتهم، وحتى فى الوفاة يفتكروهم يومين ويرجعوا ينسوهم تانى، ولهذا أدعو بلدى مصر أن تهتم بدورها الثقافى، وأن تحترم فنانيها العظماء، وأدعو إلى إنشاء مقابر خاصة للفنانين والعلماء والأدباء والمثقفين تكون مزارا مهيبا تبرز اعتناء الدولة بقيم الحضارة والمدنية.

ثورة مصر
تعود «سلام» إلى الحديث مرة أخرى عن ثورة مصر، وتقول: قلبى كان يرفرف، وأنا أرى الملايين من شباب مصر، وهم يهتفون بالحرية والعدل، فالمصريون لم يقوموا بثورة لأنهم «جعانين»، المصريون أكرم شعب، وعمرهم ما كانوا «جعانين»، لكن للأسف الطريقة التى تعاملت بها الحكومة السابقة مع الشباب من قتل ومطاردة وتعذيب وأعمال إجرامية لا تصدر إلا من ناس لا تحب البلد تدل على أننا لم يكن لنا ثمن ولا قيمة ولا اعتبار عند هؤلاء، وأكثر المشاهد التى أدمت عينى من البكاء وطيرت النوم من عينى هو مشهد دخول الجمال والأحصنة لميدان التحرير فى موقعة الجمل، فكنت من شدة تأثرى بالمشهد أكاد أقفز من على السرير وأهتف على أولادى فى الميدان: امسكوه امسكوه، حتى جاءت ابنتى وخافت على من الانفعال فأخفت عنى التليفزيون، ومع ذلك كنت أتحايل على ابنتى لأشاهد التليفزيون، كنت أتوق شوقا لزيارة مصر وقتها والنزول إلى ميدان التحرير لولا أننى كنت ممنوعة من السفر بأمر طبيب القلب الذى أجرى لى العملية الجراحية، لكن عزائى أن أولادى كانوا فى الميدان.
تتابع السيدة نجاح سلام كل الأحداث والأخبار المصرية بشغف كبير، وتعتبر يسرى فودة من أروع الإعلاميين الذين شاهدتهم فى حياتها، فهو يتمتع بأدب حوار جم، وتعجب كيف لم تظهر هذه الوجوه المثقفة الواعية قبل الثورة، كما تحرص على مشاهدة برنامج «واحد من الناس» الذى كان يقدمه الإعلامى عمرو الليثى وتقول: كان يؤلمنى بما يعرضه من مشكلات إنسانية يتعرض لها المصريون، وكنت أضحك على نفسى وأقول إنه من المؤكد أن تلك المشاكل ليست فى مصر، ولا أعرف كيف كان مبارك يرى هذه المشاهد المؤلمة ولا يتحرك، وحينما رأيته فى قفص المحاكمة قلت لماذا يا ربى اخترت هذه النهاية البشعة؟ «إيه الذل ده؟» وفى الحقيقة لم أكن أتمنى له ولا لغيره هذه النهاية، لكن «ولكم فى القصاص حياة يا أولوا الألباب»، وحساب الدنيا «ولا حاجة» إنما حساب الآخرة أكبر وأشد، فالملك فاروق ضربوا له تحية حينما سافر، لأنه لم يقتل أبناء شعبه مثلما فعل مبارك، ولا أخفيك سرا فقد حزنت مثلما حزن مبارك حينما مات حفيده، وحينما قامت الثورة سألت نفسى: لماذا يقتل أبناء الناس فى الشوارع هكذا، فهل حفيده له قيمة وأبناء الناس ليس لهم قيمة؟ لا والله دول أفضل رجال فى العالم.

جمال عبدالناصر
أسألها: هل قابلت الرئيس السابق حسنى مبارك؟ فتتذكر: مرة فى حفلة بمناسبة عيد الإعلاميين، وغنيت فى الحفلة، وسلمت عليه، وكانت ذكرى سيئة، أسألها عن هذه المرة فترفض الإجابة، وتقول: خلينا نحكى فى شىء أهم، ومبارك بالأساس لم يكن يتذوق الفن، ولا يحبه، على عكس كل من السادات وعبدالناصر، وبمجرد أن تتذكر عبدالناصر تطلب له الرحمة قائلة: «الله يرحم التراب اللى نزل عليه»، وتتذكر: حينما جاء عبدالناصر العالم العربى كله تنفس الصعداء، وقال: جانا زعيم، وقد قابلته أربع مرات، مرة فى نادى الضباط بالجزيرة، ومرة فى السفارة اللبنانية، ومرة فى سوريا، ومرة بالبيت عنده، فقد كانت السيدة الفاضلة الكريمة التى تشبه الملائكة «تحية عبدالناصر» تلد ابنها «عبدالحكيم»، على ما أتذكر فى نفس توقيت اليوم والساعة والمكان الذى ولدت فيه أختى رباح، وبعد الولادة اصطحبتها للبيت، وهناك تعرفت إلى زكريا محيى الدين، والشافعى، وعبدالحكيم عامر، ووجيه أباظة، والرئيس السابق محمد نجيب، وزوجاتهم، ومن وقتها كنت ضيفة دائمة عندهم، فعبدالناصر كان يحب الفنانين ويعتبر أن الأغنية التى تعيش على شفاه الناس أفضل ألف مرة من ألف جريدة، وكان يعى أن السياسة تتكامل مع الفن وتسانده، خاصة إذا كانت قضاياها عادلة، ووطنية، وليست نفاقًا أجوف، ولهذا قدمت له أغنية من كلماتى وغنائى، أقول فيها: يا الله ندر على لو صف عمرى ميه.. على عكازى باجى لمصر.. حتى أغنى بعيد النصر.. للمتحدة العربية. وكذلك عملت أغنية وقت بناء السد العالى حينما تخلت عنا أمريكا، فأممنا القناة، قلت فيها: عبدالناصر يا جمال للغرب بتعطى أمثال قالوا السد العالى مال قلنا أممنا القنال» وعملت أغنية احتفالاً بالوحدة مع سوريا اسمها بدى عريس، أقول فيها: بدى عريس أسمر عربى.. شرط من المتحدة طلبى، بدى خدوده تفاح شامى وبدى شفايفه فستق حلبى، يا مين يلبى لى طلبى... والدار دارك يا أبو خالد ونحنا ضيوف ومن عتمة الدار راح بتشعشع أنوارك»، وحينما سمعوا هذه الجملة ضجت القاعة بالتصفيق والتهليل، ووقفوا على الكراسى، أما ناصر فقد قام من البنوار واختفى عن الناس، فظننت أنه ذهب، ثم فوجئت به على خشبة المسرح، أمامى وسلم على، وقلت له ياريت يا ريس تزورنا بلبنان، فقال لى أنا جاى من لبنان حالاً مبقاليش دقيقتين، فقلت له حقيقى يا ريس، فقال نعم: حينما سمعت صوتك عرفت لبنان جميلة أد إيه» وهذه الجملة انحفرت بقلبى، مدى الحياة.

تتذكر سلام: حبنا لناصر كان عفويّا وتلقائيّا وبلا حدود. تضحك وهى تتذكر أنها حينما علمت أن موكب عبدالناصر سيمر من تحت بيتها آنذاك بالقرب من فندق سميراميس، اشترت ميكروفونًا، وفتحت الشباك، وأثناء مروره أخذت تغنى أغنية «بدى عريس» فأوقف عبدالناصر موكبه، ونزل من السيارة وحياها، فهتفت له الجماهير وغنت له معها، تقول سلام: بسبب هذه الأغنية وضعت تحت الإقامة الجبرية ستة أشهر بلبنان، لأننا للأسف عندنا طائفية بلنان، فلما غنيت له هذه الأغنية بلبنان بناء على طلب الجماهير أشعلت الجرائد حربًا طائفية وطلعت المانشيتات فى اليوم التالى: نجاح سلام تدعو ناصر لاحتلال لبنان، وذلك بسبب أنى قلت «الدار دارك يا أبو خالد، ونحنا ضيوف» وكان عندى بعدها بحوالى شهر حفلة بكازينو لبنان فجاءنى تهديد: لو طلعتى على ها الحفلة بنقتلك، فصممت على أن أذهب للحفلة، وقلت: شرف لى أن أموت شهيدة عبدالناصر، وبمجرد أن صعدت على المسرح ضج المسرح كله بالتصفيق والتحية، وطلبوا منى كلهم أغنية «بدى عريس».

الطائفية فى لبنان
تجزع سلام حينما تتذكر الفتن والخلافات الطائفية، سواء فى مصر أو لبنان، وتقول: من يفعل هذه الأفعال المشينة ليس له علاقة لا بالإسلام ولا بالمسيحية، أو بأى ديانة بالعالم، فالقرآن الكريم يقول: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). ولم يقل أكرمكم المسلمون أو المسيحيون، عيب أن نقول: مسلمون ومسيحيون، عيب، إذا ما قيلت هذه النعرات الطائفية أمامى أشعر بخجل وعار. و«بحس حالى كتير كأنى موسخة»، عيب نقول هيك عيب، وفتش عن إسرائيل فى كل هذه الخلافات الطائفية، ولذلك غنيت وقلت: «أكلما دون التاريخ موبقة تكشف الغدر عن أبناء صهيون، أبناء صهيون والدعوى مزورة، أأنتم الأوفياء الموسويون، حاشاك موسى كليم الله من قذر وأنت أول بدر فى النبيين».

تقول والحب ينتفض من قلبها: الشعب المصرى العظيم خسارة فى كل حكامه، فقط أعطِهِ إمكانيات وراحة بال وشوف شو بيبقى، ويكفى أن أرى وجه مصرى لأشعر بالراحة والطمأنينة، هم شعب جميل وحبوب وشهم وذكى، خسارة كان يضيع مع حكام مهملين ولا يقدرون الكنز الذى يحكمونه، ولا أخفيك سرّا أنا متعصبة لمصر أكثر من أى بلد آخر فى العالم، ورغم أنى لبنانية فى الأساس فإنى أعتز بكونى مصرية النشأة والتربية والجنسية أيضًا، ولهذا أريد أن أوجه رسالة للمجلس العسكرى ولحكومة عصام شرف الذى يشبه اسمه، وأريد أن أقول لهم: أرجوكم افصلوا فى القضايا العاجلة بسرعة، وطمئنوا أمهات الشهداء بأن دماء أبنائهم لن تضيع، فحرام أن الثورة المحترمة دى تروح كده «بين الرجلين» لأن فيه أشياء كثيرة لا تحتمل «الرحرحة»، فقد مر أكثر من ستة أشهر ولم نرَ تغييرًا ملموسًا فى الحياة العامة بشكل عام، ومحاكمات رموز النظام السابق محاكمة عادلة، وعاجلة بشكل خاص، وأول الأشياء التى يجب أن توليها الحكومة اهتمامها هى المرافق العامة، والتعليم، والصحة، لأن هذه الأشياء هى التى ستظهر للرأى العام، وتجعل الناس يرون بأعينهم أن بلدهم تغير، وأدعو الحكومة والمجلس العسكرى إلى أن يتعلما من ثورة يوليو كيفية الإدارة الثورية، فبسبب سرعة قرارات ناصر وثوريته تعاطفت معه كل البلاد العربية وليس شعب مصر فقط.

لنجاح سلام وجهة نظرها الخاصة فى القضايا الداخلية اللبنانية وتقول: «للأسف ثلاثة أرباع الرؤساء والزعماء العرب أياديهم بأيدى إسرائيل»، وهى من النماذج النادرة، التى تجمع فى قلبها حبّا كبيرًا لكل من رفيق الحريرى، رئيس وزراء لبنان، المغتال وحسن نصر الله، زعيم حزب الله المتهم بقتله، وتقول: الله يرحم رفيق الحريرى، كان أول ما يعمل حفلة يعزمنى، وحينما كرمونى بلبنان أهديت تكريمى له، وكان أعز صديق لى، ولا أشك لحظة فى أن إسرائيل هى التى قتلت الحريرى؛ لتحدث وقيعة بين أقوى شخصيتين فى لبنان، ولتخرج الجيش السورى من لبنان، ولا أفهم كيف يتهم البعض حزب الله أو سوريا بقتل الحريرى، برغم أنه جعل المقاومة شرعية، وأعاد قناة المنار التى يمتلكها حزب الله لتكون منبرًا إعلاميّا للصمود فى وجه العدو الصهيونى، وكان يساعد السيد حسن بكل ما أوتى من قوة، ولا تصدق أنه كان يعادى السيد حسن، فقد كان كل يوم يقابل السيد حسن، وذات مرة قلت للحريرى إننى أحبه ولا يشاركه أحد فى قلبى، من الحكام العرب إلا السيد حسن نصر الله فقال لى: «أنا أحبه مثلك تمامًا؛ لأنه رجل صادق ومؤمن، والمؤمن لا يكذب، وكلما أقابله ينشرح صدرى»، فحسن نصر الله هو الذى رفع رأس الأمة العربية كلها لأنه مركع إسرائيل، ولذلك كنت أشعر بالعار حينما أغلق مبارك المعبر فى وجه المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وكنت أثق فى أن جيش مصر العظيم لا يرضى بهذه المذلة، وأن تتعامل الدولة مع إسرائيل وتعمر مصانع تل أبيب بغاز مصر، بينما تجوِّع الفلسطينيين، وتسكت على حقوق الأسرى المصريين الذين نكلت بهم إسرائيل، لكنى على يقين من أن هذا العهد انتهى، بعدما ذهب مبارك الذى كان «كاتم على أنفاسهم».




















مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة