سيناء تلك البقعة الغالية من أرض مصر، التى تسكن عقل وقلب كل مصرى.. فهى الحلم الجميل الذى طالما حلمت به أجيال أن تراها عروس مصر التى لا ينافسها أحد فى جمالها وروعتها. ومرت سنوات ولم نرها تلك العروس حتى بعد أن تحررت منذ ما يزيد عن ثمان وعشرين عاما.. ولم نر جمالها الذى غطاه ركام التراب الذى تكوم عليها طيلة السنوات الفائتة.
لقد عاشت سيناء حروبا عديدة كانت فيها الدرع الواقى لمصر وكان انتماء أهلها إلى مصر أقوى من أحلام الطامعين والمعتدين.. لقد ظلت سيناء تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلى ردحا من الزمن أذاقتهم فيها المهانة والذل حتى انسحبت إلى غير رجعة، فلولهم من على آخر شبر من أراضيها.. وهذا كان واضحا جليا فى الأحداث المؤسفة التى شهدتها مدينة العريش فى الأيام القليلة الماضية وهذا قابله استنكار واستهجان شديدين من جموع مواطنى سيناء.. فسيناء منذ تحريرها وحتى الآن كما هى لم يتحقق فيها من الآمال والأحلام شيئا إلا النذر اليسير الذى لا يروى ظمأها التنموى ولا يمثل شيئا أمام طموحات عظيمة معلقة على تلك المنطقة المباركة.. لقد بدا أن النداءات التى كانت تنادى بتعميرها نداءات عقيمة لم يكن ليسمعها العقل حتى أن اليأس أصاب أصحابها من كثرة ما نادوا به.
لا إنكار أن سيناء هى أكثر محافظات مصر التى تم الاهتمام بها إعلاميا فى العهد البائد إلا أنها لم تلق استجابة لدى أولى الأمر فى الحكومة السابقة التى وضعت المشروع القومى لتنمية سيناء.. وبعد سنوات قلائل أدرك الكثير منا أنه لم يكن إلا مجرد وهم كبير.. فرغم المخصصات المالية الباهظة التى أنفقت من أجل تحقيق أهداف هذا المشروع أو الوهم إلا انه لم يتحقق منه إلا أقل القليل حتى من فرط هذه الخدعة الكبيرة التى عشناها فى هذا المشروع الوهمى ظننت أننى لم أحسن قراءة العبارة أو ربما كاتبها لم يحسن صياغتها وكأن هذا المشروع كان مسماه (المشروع القومى "لتنحية" سيناء) وليس لتنميتها.. لم يتم التعامل السليم مع سيناء ولم يتم مراعاة طبيعة المكان ولا السكان فيها.. المكان هو أقصى حدود مصر الشمالية على الحدود مع العدو اللدود لمصر.. هو مكان عبقرى كما يصفه الدكتور جمال حمدان الذى رأى أن سيناء تفوق فى جمالها وأهميتها دول أخرى مثل سنغافورة وماليزيا هذا على الجانب النظرى.. أما عمليا فإن المشروع القومى الذى كان معولا عليه لإحداث طفرة فى التنمية فى هذا المكان من خلال إقامة المشروعات التنموية ودمج سيناء فى المجتمع المصرى.. إلا أنه ومنذ إقرار هذا المشروع فى عام 1994 م وحتى الآن لم يتحقق إلا 20% من المخطط له وأشك فيما تحقق منه لأن الذى تحقق لم يستكمل ليصبح هو والعدم سواء وكأنه إهدار متعمد ليس للمال فحسب وإنما للوقت أيضا.
أما الجانب الثانى والأهم، فهم السكان الذين عاشوا على هذه الأرض الطيبة ولم يتخلوا عنها حربا ولا سلاما بل تحملوا فى سبيل الزود عنها الكثير مما لا يتسع المجال لسرده ليس إلا لأنهم يعتبرون الاعتداء على تلك الأرض بمثابة اعتداء على العرض وهو أمر تهون فى سبيله الحياة.. أما وقد انتهى العصر البائد بكل صوره القميئة التى تركت سيناء تعانى وتأن مثلما كانت تعانى فى وقت الحروب.. فيجب الأخذ بيد من حديد لكل من تسول له نفسه فى أن ينشر الفوضى ويروع الآمنين..لابد من تحقيق عنصر الأمن بشكل أساسى.. فالأمن يتحقق به الاستقرار.. والأمن يتحقق من خلاله الاستثمار.. والأمن هو أساس التنمية التى نريدها لهذا المكان الذى يحتل مكانة متميزة فى قلب مصر والمصريين.. تنتظر سيناء وزارة لتنميتها لتحمل أملا جديدا وحلما عظيما لتحقيقه على أرضها بعد ما عجز السابقون عن تحقيقه.. فهذا المكان الذى ارتوى بدماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم إبان الاحتلال الإسرائيلى الغاشم لهو نفس المكان الذى سيعطيننا دفئا وحبا إذا ما ارتوى بالعناية والرعاية التى إذا ما غابت واختفت فستتحول تربتها الخصبة إلى صخورا صلبة تفتقد معانى الحياة.. ونظرا لأهمية سيناء وحساسية موقعها وبالنظر لما عانته عبر سنون طوال من أطماع فإننا جميعا ننتظر من ثورة يناير أن نجنى منها ثمارا عديدة من خلال سنوات سمان قادمة بإذن الله لمصر بصفة عامة ولسيناء بصفة خاصة لتغدق بخيراتها على شعب مصر الأبى بل وتكون مكانا ينتظر أبناء مصر ليقيموا فيها وينهلوا من خيراتها.. فهذا المكان يحدث بينه وبين ساكنيه تناغم غريب وتحالف عجيب يجعل صاحبه أكثر تمسكا وأشد ارتباطا به.. إنه تحالف المكان والسكان الذى تتفرد به سيناء.. تحالف يراهن به كل غيور على ارض هذا الوطن والذى سيظل هو الضمان والأمان ضد كل متربص وطامع فى سيناء التى ستظل حرة أبية نابضة بالحب لمصر.
