سعد هجرس

تحولات الإخوان.. وخواء النخبة

الأربعاء، 17 أغسطس 2011 03:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«الإخوان المسلمون» غاضبون.. ويهددون ويتوعدون، وبعد أعوام من التعرض للاضطهاد بدأت تظهر عليهم أعراض الشعور بـ«العظمة»، فظهرت لهم أنياب وأظافر ومخالب بعد طول «مسكنة» واستدرار لتعاطف المصريين، ولم تكد تنقضى ستة أشهر «عسل» بينهم وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، زايدوا خلالها على كل القوى السياسية فى إبداء التأييد للمجلس، بل تأليبه عليهم أحيانا، انقلبوا عليه ورفعوا ضده راية العصيان، لا لشىء إلا لاعتزامه إصدار إعلان دستورى جديد يتضمن مواد تضمن «مدنية» الدولة.

و«منطق» الإخوان المسلمين فى هذا «الانقلاب»، أن هذا الإعلان الدستورى المرتقب يعنى –حسب نص بيان «الجماعة»– «الانحياز للأقلية التى تحاول فرض وصايتها على الشعب، وتمكينها من الالتفاف على إرادته التى تجلت فى استفتاء مارس، والافتئات على صلاحية الهيئة التأسيسية المنوط بها كتابة مشروع الدستور».

وهو منطق يبدو وجيها من الناحية الشكلية، لكنه يتضمن مشاكل عديدة من حيث مضمونه، ليس فقط لأن استفتاء مارس الذى يتشبث به بيان «الجماعة» قد شابته ملابسات عديدة لا تمت لروح الديمقراطية بصلة، وإنما أيضاً لأن نتائج هذا الاستفتاء كأن لم تكن بعد صدور الإعلان الدستورى الأول الذى جاءت ثلاثة أرباع مواده من خارج المواد التى تم الاستفتاء عليها. ورغم ذلك فإن جماعة الإخوان المسلمين رحبت به. وبالتالى فإنه ليس هناك مسوغ موضوعى للحديث عن «أغلبية» و«أقلية» لقياس الإرادة الشعبية التى يتشدق بها بيان «الإخوان».

وهذا يعنى أن تلك النقطة التى تمثل محور منطق جماعة الإخوان المسلمين ليست هى جوهر الموضوع. فالقضية دون لف أو دوران هى إصرار كل فصائل تيار الاسلام السياسى على قطع الطريق أمام أى توجه نحو إرساء دعائم «دولة مدنية ديمقراطية حديثة»، طالبت بها الثورة.

وقد ظهر النكوص حتى عن شعارات «الإخوان» السابقة عن «دولة مدنية بمرجعية دينية» فى جمعة 29 يوليو التى رفعت فيها شعارات عن «دولة الخلافة الاسلامية» وظهر فيها العلم السعودى بدلاً من العلم المصرى ورفعت صور أسامة بن لادن بكل دلالاته كرمز مناهض لمدنية الدولة.

ورغم أن الأمانة تقتضى عدم تحميل «الإخوان» مسؤولية مواقف باقى فصائل تيار الإسلام السياسى الأكثر تشدداً، فإن إصرار «الجماعة» على شق صف القوى السياسية فى هذا التوقيت الحرج يثير تساؤلات عديدة.

بيد أن هذه التساؤلات المشروعة لا يجب أن تحبط الجهود الرامية إلى التوصل إلى «توافق وطنى» حول الخطوط الرئيسية لعقد اجتماعى جديد للبلاد فى هذه المرحلة التأسيسية للجمهورية الثانية. وهو ما يستلزم الحرص على دمج الإسلاميين فى العملية السياسية التى لا يجب أن تقصى أحداً.

والطريق إلى ذلك هو الحوار الوطنى الجاد وليس الاستقواء أو التهديد أو التحريض او إملاء الشروط، لأن هوية الدولة التى نريدها ليست مسألة تحسم بالأغلبية والأقلية، وإنما بالتوافق.
ولذلك فإن بيان جماعة الإخوان المسلمين يسير فى الطريق الخطأ، لكن لا ينبغى مواجهة هذا التوجه العصبى باستقطاب مضاد.

ولعل «النخبة» المصرية -بما فيها من إخوان وغير إخوان- أن تتذكر أن انغماسها فى مثل هذه الممارسات العقيمة والألاعيب الصغيرة كان أحد أسباب تكريس عجز المعارضة إبان حكم مبارك، حتى جاءت دماء جديدة من الشباب المصرى الثورى وكسرت هذه الدائرة الشريرة التى دخلتها نخبة ما بعد الاستقلال. والآن تعود النخبة القديمة لتركب موجة الثورة وتحاول إعادة إدخالها فى نفس الحلقة الجهنمية القائمة على «توازن الضعف» بين حكم عاجز ومعارضة عقيمة.

وتنسى هذه النخبة التى انتهى تاريخ صلاحيتها -بما فيها النخبة الإخوانية- أن هناك رقما جديداً وصعباً فى المعادلة السياسية المصرية هو شباب الثورة، بمن فى ذلك شباب «الإخوان»، الذين لن يقبلوا العودة إلى السياسات البالية، ناهيك عن تحويل مصر إلى أفغانستان ثانية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة