كلما طالعت خبراً عن إطلاق وزارة الداخلية مبادرة جديدة، لاسترداد الآلاف من قطع الأسلحة المسروقة من أقسام الشرطة والسجون، أتذكر العبارة الشهيرة المكررة فى أفلامنا القديمة والحديثة: سلم نفسك المكان كله محاصر، ومع هذا فإن البطل فى أغلب الحالات ينجح فى الهرب، تاركا خلفه ضباط الشرطة يحكمون حصارهم الوهمى. تذكرتها إثر إعلان وزير الداخلية منصور عيسوى، أن من يبادر بتسليم ما لديه من أسلحة غير مرخصة، فإنه سيمنح رخصة رسمية لحمل طبنجة، للدفاع عن نفسه، فضلا عن إعفائه من المساءلة القانونية.
وفى شرح المبادرة، فإن عيسوى يحاول استعادة 7 آلاف قطعة سلاح للشرطة سرقت خلال أيام الانفلات الأمنى التالية لقيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأن مساعيه تبتغى خفض أعداد الجرائم وأعمال العنف المستشرية فى محافظات الجمهورية من الإسكندرية شمالا وحتى أسوان جنوبا. الهدف نبيل ولا يختلف اثنان على أهميته وضرورته، غير أن الوزير يعالج المشكلة بطريقة تزيد من وطأتها وليس تخفيفها والقضاء عليها مستقبلا، فهو يطلب من المواطنين الشرفاء أن يسلموا ما اشتروه من أسلحة مسروقة بيد ويحصلون باليد الأخرى على سلاح شرعى مرخص. إن هذا المنطق يشجع المواطن ليس على رد ما عنده، وإنما على السعى لزيادة ترسانته من الأسلحة، خاصة وأن إجراء وزارة الداخلية يفيد فى شق منه بأنه على كل منا حماية نفسه وعائلته وممتلكاته بالجهود الذاتية، وأن جهاز الشرطة لن يغادر بياته الشتوى فى القريب العاجل.
لهجتى فى الخطاب ليست استخفافا ولا تشكيكا فى النوايا الطيبة لعيسوى وغيره من قيادات الشرطة المخلصين والحريصين على أمن البلد، لكنها تنبيه بأنه لا يصح السماح بإغراق المدن والقرى المصرية بالسلاح فى وقت نعانى فيه من انفلات سلوكى خطير مع استعذاب المصريين لأجواء الفوضى والعنف، وعدم إدخار الجهد فى مخالفة القوانين، تحت دعوى أن نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ظلم وقهر الكثيرين الذين يتوقون للتنفيس، فى أعقاب سنوات طويلة من الكبت والذل.
وإن كانت وزارة الداخلية جادة وحريصة على العمل بأساليب مغايرة للمفاهيم الأمنية المغلوطة، عندما كان حبيب العادلى وزيراً للداخلية، فإنها مطالبة بوضع استراتيجية عملية لتخليص الوطن من الأسلحة على وجه العموم، والتى انتشر الاتجار فيها خلال العهد السابق الذى ساهم وشجع أباطرة السلاح، وبعضهم كان من أقطاب السلطة الكبار على جلب كميات مهولة منها وبيعها للراغبين. ويجب على عيسوى وقيادات الداخلية أن يشرحوا أن المشكلة ليست حديثة العهد، وأنه من الظلم البين ربطها بقصة الانفلات الأمنى وحدها، فسيناء كانت مركزا لتهريب السلاح وكذلك الصعيد، بل إن لواءات العادلى غضوا أبصارهم عن تجارة السلاح والمخدرات، لأن أربابها كانوا يقدمون مساعداتهم غير الشريفة فى مواسم الانتخابات البرلمانية والمجالس المحلية والجماعات الإرهابية، وكل من تسول له نفسه السير فى ركب المعارضة وانتقاد الحزب الوطنى المنحل.
الاستراتيجية المرجوة المطلوب من الجميع المشاركة فى صياغتها يتعين أن تشتمل على بند لتنمية الصعيد، وتغيير عاداته المتوارثة باقتناء السلاح المرادف فى نظرهم للرجولة وللجدعنة، ونحن نتابع فى أيامنا تلك أنه كلما نشبت معركة فى صعيدنا أثناء لعب الأطفال تتحول الشوارع والحارات إلى ساحات قتال بين العائلات يسقط فيها من يسقط، وللتذكيرة فحسب فإن الذين هاجموا قسم شرطة العريش ظلوا يطلقون نيران أسلحتهم الثقيلة لتسع ساعات متواصلة، وعثرت السلطات الأمنية على فوارغ عشرة آلاف طلقة، فهناك وفرة فى السلاح والذخائر ويقاس على هذا فى مناطق عديدة. أما الجانب المهم فى الاستراتيجية المرتقبة أن توضح من السطر الأول أن الأمن معادلة ثنائية وليست أحادية، وأن المواطن عليه دور، إذا أهمل فى الالتزام به، فإن المنظومة كلها ستصاب بالخلل والعطب، وأن يكون القانون فوق رأس الطرفين. أرجو من عيسوى مراجعة بنود مبادرته الجديدة، وأن تخلو من مكافأة المتعاون معها بأداة قتل يمكن استخدامها فى ترويع الآمنين، وبدون هذا فإن أسلوب سلم سلاحك يامرسى لن يؤتى ثماره الطيبة.