لقد أوغل النظام السابق فى فساده وطغيانه حتى ظن أن الشعب لا حول له ولا قوة.. وقد حرص النظام على نشر ثقافة الفساد الخلقى والسلوكى وكأنه لم يكتفِ بافساد الحياة السياسية، وتسلسل ذلك الفساد من رئيس الدولة إلى رئيس وزرائه ووزرائه وإلى جميع المسئولين الكبار والصغار، وأجهزة الشرطة والبنوك والجامعات والمجالس المحلية أيضا، والأزهر والأوقاف حتى أصبحت ثقافة الفساد عامةً والفساد الخلقى والسلوكى خاصةً سمة سائدة للمجتمع أجمع.
وقد استمرت آفة الفساد فى تضخمها حتى امتد أذاها وأثرها السىء إلى معظم أفراد المجتمع، وكان لذلك تداعياته وتأثيراته على مجريات الأمور اليومية لدى كل فرد منا ، فأصبحت ثقافة "الواسطة" و"الرشوة" و"الروتين" و"المحسوبية"، و"عدم احترام القانون" فى جميع المصالح الحكومية والمؤسسات مع العلم أن موظفى هذه المصالح من أفراد الشعب العاديين وليسوا من مسئولى الدولة الكبار الذين غرقوا بدورهم فى الفساد الأعظم.
وقد اعتقد النظام البائد بان المصرى اصبح خاضعا خانعا حتى انه لا يستطيع ان يقول " بم " حتى جاءت ثورة 25 يناير والتى عكست كل هذة المعايير فأصبح المصرى هو السيد على جهاز الشرطة الذى عانى منه الشعب طويلا وأصبح أيضا سيدا على الرئيس نفسه، وأوصله إلى قفص الاتهام كى يحاكم كفرد عادى من أفراد الشعب، لابد أن ينال عقابه ولابد للعدالة أن تأخذ مجراها معه، أيضا أصبح الشعب هو المالك لزمام الأمور والذى استطاع وبجدارة أن يقود مظاهرات مليونية سلمية منظمة وصلت إلى حد بالغ من الرقى.. كل هذه المتغيرات للشخصية المصرية هى فى الحقيقة ثوابت جذرية فيها ولكن لم تجد لنفسها مكانا قبل 25 يناير.
فبعد قيام "ثورة 25 يناير" التى غيرت الخريطة الثقافية لدى المجتمع، تلك الثورة التى لم تستجيب لأى من الشروط الكلاسيكية للثورات كأن يكون لها قائد أو شعار معين.. فرأينا شباب التحرير الذين رفضوا أن يغادروا الميدان قبل تنظيفه على مرأى من الجميع فضلا عن القنوات الفضائية التى كانت تبث ما يحدث فى الميدان على مدار الساعة إلى كل بقاع العالم ومع ذلك لم يستحى أحد منهم القيام بذلك العمل إيمانا منهم بأن ما يفعلوه هو انتماء لوطنهم الغالى ومظهر حضارى راق بكل المقاييس، أيضا رأينا المصرى المسيحى بجانب المصرى المسلم فى صلاة الجمعة فى قلب ميدان التحرير، كما سادت ثقافة الحب والتآخى بين كل شباب التحرير على مختلف اتجاهاتهم وتياراتهم السياسية، ورأينا الشاب يحمى الفتاة وكأنها أخته تماما، ونزل الجيش ليصافح المواطنين.. (يالها من لوحة رائعة حقا تستحق الخلود) كل ذلك التغير السريع لسلوك الأفراد كان نتاجا لما أحدثته الثورة فينا، فقد أحيت الثورة روح الانتماء من جديد.. والانتماء إذا توافر لدى الفرد وتحفّز يبلغ من القوة أنه يستطيع أن يعدل كثيراً من سلوكه حتى يصبح سلوكه مطابقاً لما يرتضيه مجتمعه.
فلماذا إذن بعد هبوط حدة الثورة عدنا لما كنا عليه فى السابق؟
يعنى لماذا "رجعت ريمة لعادتها القديمة"؟
فبعد تأملنا لتلك اللوحة الرائعة علينا أن نعيد رسمها من جديد، ليس فقط فى التحرير وإنما فى كل شبر من أرض مصر الغالية، فعلينا إذن أن نعدل سلوكنا وأن يعود الرقى إلى معاملاتنا، وتعود روح الثورة النظيفة لكل فرد منا، فعلى كل فرد ظل ضميره فى سبات عميق طوال سنين عدة أن يوقظه من جديد ليحيا حياة حرة كريمة، فإن بناء الأمة فى كل نواحى الحياة لن ينجح أبدا بدون الأخلاق والضمير، وكما قال شوقى:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فلنجعل "ثورة 25 يناير" يوم ميلاد كل مصرى ومصرية على أرض يسودها الحرية، ويسودها روح التآخى والإيثار، تلك الروح التى بدأنا نفقدها بعكس ما كنا عليه أيام الثورة.
د. سارة المهدى تكتب: ورجعت ريمة لعادتها القديمة
الثلاثاء، 16 أغسطس 2011 08:57 ص