كلنا يعلم قصة محطة المطار السرى والتى كان الناس يتندرون بها على إدارتنا للأمور فى ستينات القرن الماضى.. إذ أصبح ما يفترض أن يكون موقعاً لمطار سرى أمراً ذائع الصيت لدرجة جعلت منه محطة أتوبيس عام!
قفزت إلى ذهنى تلك القصة فورا وأنا أتابع ما يذيعه وينشره الإعلام المصرى الذى لن يتغير أبداً على ما يبدو عن الخطة الأمنية الجبارة والمحكمة للقضاء على الانفلات الأمنى والإرهاب التكفيرى فى شبه جزيرة سيناء.
الإعلام المصرى نشر بناء على تصريحات مسئولين الخطة الكاملة بما فيها أعداد وأماكن تمركز القوات وكيفية تعاملها مع الإرهابيين.. كما لم ينس المسؤلون تبشيرنا بإمكانية الاستعانة بالطائرات للتغلب على وعورة المناطق الجبلية فى سيناء.
والخبر هنا له احتمالان:
الأول أن يكون الإعلام المصرى يجرى وراء شائعة أو تلفيق وهذا وارد جداً فى هذه الأيام، حيث أصبحت (الشائعة الموثوقة) خبراً.. تنشره وسيلة إعلامية واحدة فينساق وراءها الجميع بالفحص والتحليل بما فى ذلك الاستعانة بخبراء فى نفس المجال يُمحصون ويبحثون دلالات الخبر وأبعاده دون تكبد عناء التحرى عن صحته.
أما الاحتمال الثانى- وهو الأرجح- أن يكون مسئولون قد صرحوا فعلاً بهذا الأمر وهذا يبدو لى عجيباً! فالمنطق يقول إنه لكى ينجح أى عمل أمنى يجب أن يتوفر له عنصرى السرية والمفاجأة.. لكن هذا المبدأ ربما يتضاءل أمام رغبة البعض فى الحديث والظهور.
وفى كلا الاحتمالين أبشركم بأننا لم نقم بأية ثورات وما ثورتنا إلا بعض مظاهرات عفوية لا تعنى الكثير ولم تغير شيئاً جوهرياً من قريب أو بعيد اللهم إلا زيادة التصريحات والأحاديث الصحفية الرنانة فى خِضَم هذا الرواج الإعلامى الهائل.
لم نتغير.. وما زالت نفس العقليات ونفس الطريقة ونفس الأساليب ومازال ماثلاً أمام عينى أساليب إعلامنا فى عهد النظام السابق.. فقد زُرعت ملايين الأفدنة وأُنشئت آلاف المصانع وشُيدت ملايين المساكن.. على الورق وفى التصريحات أما على الأرض فالواقع مرير ويسخر منا بل ويُخرج لنا لسانه ليزيد آلامنا.
لا جديد إذن ُيذاع ولا تغيُر يُذكر.. أيها السادة.. ما زلنا ننتظر ثورة فى المفاهيم الخاطئة والقواعد البالية.. ثورة تُعلى قيم العلم والعمل.. ثورة ضمائر وقلوب.. تنحاز إلى تغليب الصالح العام لا نرجسية الذات.. ثورة فى حب الوطن تثمر على أرض الواقع وليس على صفحات الصحف.. أو فى حناجر المطربين!
