حين تولى اللواء حافظ الأسد مقاليد الحكم فى سوريا عام 1970؛ بدأ حركة دؤوبة لتطهير الجيش السورى من العناصر غير العلوية، إذ إنه ينتمى إلى عائلة ريفية فقيرة، تنتمى إلى الطائفة العلوية، وتقطن بيتا بسيطا على تخوم قرية القرداحة، لا تمتلك أرضا ولا مالا ولا جاها، ويجود عليها أهل القرية بالصدقات والحسنات فلقبت الأسرة ببيت الحسنة، ويبدو أن ذكريات تلك الأيام السوداء ظلت عالقة بذهن الفتى حافظ سليمان الوحش فغير لقب عائلته إلى الأسد لتختفى معالم الذكريات المؤلمة إلى الأبد باختفاء اسم الوحش.. ولله فى خلقه شئون!
المهم فى انتماء حافظ الأسد إلى عائلة علوية أنه حرص منذ توليه السلطة على ترسيخ النزعة الطائفية فى بلاده التى يحكمها، فالعلويون الذين يشكلون حوالى 10% من تعداد سكان سوريا؛ يشكلون أكثر من 90% من عدد ضباط وجنود الجيش السورى،وهذان الرقمان يدلان على حقيقتين هامتين هما جوهر الصراع الدائر الآن فى سوريا، أولاهما: أن أقلية لا تتعدى العُشر تحكم الأعشار التسعة الباقية، وثانيهما: أن الجيش السورى يجب أن يتغير اسمه إلى الجيش العلوى.
وهاتان المفارقتان فى نظام الحكم فى دولة ذات تاريخ عريق كسوريا؛ عاصمتها أول عاصمة فى التاريخ؛ شكلتا قوة طاردة رهيبة للشباب السورى الناشئ فيسعى بكل السبل للخروج من سورية قبل سن التجنيد الإلزامى، وطبعا فى معظم الأحيان يكون هذا الخروج بلا عودة، أما من تحكم عليه الظروف أن يبقى فى سورية ليلتحق فى الجيش العلوى فإنه يجبر على العمل فى الوظائف الدنيا كأن ينظف بيت الضابط العلوى أو يشترى لزوجته الخضار ولوازم البيت أو يعمل سائقا لأطفال الضابط وأسرته، برغم أن هذا الخادم أو السائق قد يكون حاصلا على مؤهل جامعى فى الطب أو الهندسة أو غيرهما، ولا غرابة فهو ليس علويا!
المهم فى هذه الأيام، ومما يعجب منه الكثيرون مرأى ضباط وجنود الجيش السورى( الباسل) يطلقون نيران أسلحتهم الثقيلة والخفيفة وطلقات مدافعهم فى أيديهم ومن دباباتهم على جماهير الشعب السورى الأعزل، وقد نتساءل أوليس الجيش من الشعب؟ فكيف يضربونهم بهذا العنف؟ والإجابة: أبدا فى سوريا الجيش ليس من الشعب، الجيش فى سوريا ينتمى بكافة كوادره إلى الطائفة العلوية الحاكمة، وهذا الانتماء يؤكد الاستقطاب الكامل للجيش إلى صف الرئيس العلوى وحزب البعث العلوى والأجهزة الأمنية العلوية على تعددها وتنوعها وهو ما يعنى أيضا أن الصراع بين الأسد (الوحش سابقا) ومن يريدون إنهاء حكمه قد يمتد لفترة لا يعلم مداها إلا الله.
وما يحدث الآن فى سورية ما هو إلا ابتلاء من الله لهذا الشعب الأبى ليعلم تبارك وتعالى من يثبت ممن ينقلب على عقبيه، ويتم نصره على عباده المؤمنين الثابتين المجاهدين، وهم الآن يتساءلون: متى نصر الله؟ قل عسى أن يكون قريبا..
ولأن دوام الحال من المُحال، فلا بد للظلم أن ينتهى وينال الظالم عقابه حتى وإن طال الأمد بصاحبه، فسيلقى حسابه عسيرا فى الدنيا والآخرة، ولن تنفعه أسلحته ولا جيشه ولا دباباته التى يصوبها على شعبه بدلا من العدو بعد أن صدعنا سنوات طوالا أنه رمز الصمود والتصدى، ولن تنفعه عروشه ولا عمائره ولا حصونه ولا قلاعه التى يحتمى وراءها هو وقومه العلويين من شعبه الأعزل، قال تعالى: (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) الأعراف 137، لك الله يا سوريا ولشهدائك الأبرار الجنة، ولشعبك الأبَى الصبر والسلوان والنصر القريب بإذن الله، والله من وراء القصد.
