الساحة المصرية الآن مليئة بكل ألوان العراك البدنى والفكرى، وهى حالة طبيعية تلى الثورات خاصة التى تحدث على نظم سلطوية قهرية كانت تعد على الناس حركاتهم وسكناتهم.. وما يهمنى هنا هو حالة العراك الفكرى التى اشتعل أوارها، وقصمت ظهر الوطن، وقسّمته إلى فسطاطين، وظلت العلاقة ما بين الدينى والسياسى هى محل الإشكال ومحور التنازع ما بين الإسلاميين من جهة، وبين الليبراليين واليساريين من جهة أخرى. لذا تجىء هذه الرؤية لمحاولة حلحلة الأوضاع المأزومة، وتحريك المياه الراكدة وفتح الأبواب الموصدة أمام المزيد من الطرح المتعقل والرؤى التوافقية التى تجمع الأشتات المتنافرة للانطلاق صوب البناء والتنمية، ففى البداية يمكننا رد مكونات الخطاب الإسلامى بوجه عام - تبعاً لعصام البشير - إلى مكونين رئيسيين: المكون الشرعى: وهو ما جاء به الوحى الإلهى من قرآن وسنة نبوية صحيحة.. وهو أصل الخطاب الإسلامى ومنطلقه ومرجعيته الثابتة الدائمة؛ لكونه صادرًا عن الله سبحانه الذى أبدع الوجود كله.
والمكون البشرى: وهو ما فهمه واستنبطه البشر من النصوص الشرعية وما نتج عن ذلك فكرًا كان أو فقهًا أو علومًا وأدبًا. لذلك فهو فرعٌ للمكون الأول ومؤسس منه وإليه. هذا المكوّن البشرى فيه يكون الاجتهاد والتطوير بما يراعى المخاطبين وظروفهم العامة والخاصة زمانًا ومكانًا وأحوالاً.
ورغم وجود المكون الشرعى فإنه لا ينفى «البشرية» عن طبيعة ومضمون هذا الخطاب والذى يمثل فى مجمله فهمًا بشريّا لهذه المنطلقات الربانية وتفسيرًا للنص القرآنى أو النبوى أو محاولة لتكوين الصورة الكلية من خلال استبطان الخبرة التاريخية للممارسة السياسية عبر عقود حكم المسلمين المتعاقبة، ومن هنا فإن هذا التفريق واجب حتى لا يتحول الفهم «البشرى» إلى منطقة مقدسة محظورة، أو أن يتحول الخطاب السياسى الإسلامى «البشرى» إلى خطاب «مقدس» فالربانية فى المنطلق والبشرية فى الفهم والتطبيق.
ومن هنا فإن على الحركة الإسلامية، وهى تبنى مشروعها السياسى أن تدرك أنه يمثل مجمل اجتهادها «البشرى»، ولا يجوز أن يعمد البعض إلى تمرير رؤيته السياسية «النسبية» تحت ستار وحماية السلطة الدينية «المطلقة». ومن هنا فإنه يجب مراعاة العديد من القواعد المهمة التى قد تساعد على فك الإشكال وحل المسألة وهى:
الخطاب السياسى الإسلامى كما أسلفنا القول هو الفهم البشرى للنص «المقدس» و«المنزه»، وهذا الفهم البشرى لا يمثل «النص» ذاته، فإذا ما توجهت المعارضة والمناقضة للخطاب فهى متوجهة للفهم البشرى وليست للنص الإلهى أو النبوى.
الخطاب السياسى فى مجمله يمثل «حزمة» الاختيارات البشرية لمعالجة العديد من القضايا المهمة كالعلاقة بين الحاكم والمحكوم وطرائق تداول السلطة وتمثيل الشعب وشكل النظام السياسى.. إلخ، وهى اختيارات تختلف من زمان لزمان، ومن مكان لآخر، ومحاولة البعض «مصادرة» النص لحساب هذه الاختيارات هى جناية على الدين بتمزيقه إربًا.
المرجعية الإسلامية ليست أداة لفرض السلطة بقدر ما هى معيار تعمل من خلاله السلطة، وعلى أساسه تحاسب، ومن هنا فالسلطة السياسية التى تعمل من خلال مرجعية إسلامية ليس من حقها «قهر» معارضيها باسم المرجعية الإسلامية، بل إن هذه المرجعية هى الإطار الجامع الذى تعمل من خلاله السلطة ومعارضيها والمعيار الأعلى الحكم على الجميع.
الحد من سيطرة السلطة السياسية على المؤسسات الدينية «الإسلامية وغيرها على حد سواء» بحيث لا تستخدم المؤسسات الدينية لتبرير القرار السياسى وتمريره كما كان يحدث فى ظل الأنظمة السلطوية المتعاقبة بدءًا من حقبة الخمسينيات حتى قيام الثورات العربية، إذ حرصت المؤسسة السياسية على الهيمنة على المؤسسات الدينية بشكل فج ومتعالٍ. وفى ظل التأسيس الجديد لدولة القانون والحريات وجب منح المؤسسات العلمية الإسلامية الاستقلال التام عن المؤسسة السياسية بحيث تقوم بدورها فى إبداء النصح والمعارضة متى أرادت من منطلقات سياسية «نسبية».
فهل يمكن اعتبار ما تقدم مجرد بداية لفتح باب النقاش واسعًا أمام مزيد من البحث والدراسة لخلق القواسم المشتركة التى تبنى الوطن ولا تهدمه.. أرجو ذلك.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصيلحى
جميل
جميل والله يا استاذ سمير
اخوك: أبو معاذ
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
كلام زي الفل
عدد الردود 0
بواسطة:
د. تامر
ألا له الخلق والأمر....
عدد الردود 0
بواسطة:
zinone
جميل
بسم الله
جزاك الله خيرا
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed khalil
احسنت
جزاك اللة خيرا وليرحمنى اللة من غلاظ القلوب
عدد الردود 0
بواسطة:
قديم أوى
تحياتى لحضرتك ولكل اللى يفكر بالشكل ده.
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن
احييك
هو دة كلام الناس العاقليين
عدد الردود 0
بواسطة:
اسامة العشرى
الجمالية
جميل