فى المحاكمات والمؤتمرات والندوات، فى التوك شو الحى أو المسجل، فى السرادقات والمنتديات. أصبحنا أمام صراع على الكاميرات.. الكل يريد أن يحتل الكاميرا أو المشهد أيا كان موقعه. باسم الثورة يتم اختراع معارك، وباسمها يجرى تقسيم الناس وزرع الخلافات، وباسم مصر وحبها نرى تجمعا للصوفيين مع ليبراليين، ثم تجمعا آخر لإخوان مع سلفيين. خلافات وبيانات ومنشورات، كلها تتهم وترد وترفض وتقترح، وترفض انتظار آراء الآخرين. والنتيجة ليست تحقيق أهداف الحرية والعدالة والمساواة وإنما استعراض القوة، والبحث عن مزيد من الأضواء والسلطة الكاذبة.
صناع كل هذا نخبة تعرف السياسة للمرة الأولى فى حياتها، وليس عيبا أن يكون المرء بلا خبرة ، لكن العيب ألا يعترف بهذا، وأن يكون قادرا على استيعاب أفكار المختلفين معه، ومحاولة فهمهم.
لقد أصبحنا أمام خبراء ولدوا فجأة يتحدثون فى شؤون الثورات، كأنهم كانوا يصنعون ثورة كل يوم، يطرحون آراءهم كمسلّمات، وسواء كانوا من أنصار المدنية أو الدينية، ينطلقون من يقين يرفض الاستماع للآخرين.
لقد تعرضنا لتجارب سياسية كثيرة خلال السنوات الماضية، وكان النظام السابق يعزل المواطنين عن السياسة، ويحتكر العمل السياسى ويصادره، الأمر الذى أنتج أجيالا لا تعرف السياسة، وتخشاها وتتوجس منها. جيد أن تتضاعف نسبة المشاركة السياسية بشرط ألا يتصور أحد أنه الوحيد الذى يملك الحقيقة.
ونظن أن الخلاف الذى يصل إلى الحرب بين السلفيين والإخوان من جهة، وبين الليبراليين وغيرهم، إنما هو نتاج لتصادم أصحاب الخبرات الضعيفة، واختراع معارك طوال الوقت، وابتكار خصوم وأعداء، فى البداية رأينا الانقسام حول الاستفتاء، وتحويله إلى مجال للتخوين والتكفير، ثم رأينا الخلاف حول الدستور والانتخابات، أيهما أولا. حتى وصلنا إلى صراع المبادىء فوق الدستورية، أو الحاكمة للدستور، وهو صراع أنتج صراعا جديدا بين تيارات مختلفة مدنية وسلفية وإخوانية ووسطية ويمينية ويسارية.
الإسلاميون يرون المبادىء الحاكمة للدستور التفافا على نتائج استفتاء مارس، بينما يخشى أنصار الدولة المدنية من أن يصادر الإخوان والسلفيون الأمر لصالحهم، عندما يختارون لجنة وضع الدستور. هناك شك متبادل، يترجم إلى خلافات.
ووسط هذا الزحام لو سألنا أى مواطن عما يريده، سيطلب عدلا ومساواة وتكافؤ فرص، علاجا إنسانيا، وتعليما محترما. ضرائب تضمن توازن توزيع الدخل والخدمات.. مبادىء لا يختلف عليها المواطنون. الذين حلموا بوطن يحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم. لكن على مستوى الساسة الجدد، وأصدقاء الكاميرات، نجد أنفسنا أمام صراع وحرب تتجدد. أصبحنا أمام زحام يشبه فريقا لكرة القدم، يتكدس كله أمام منطقة الجزاء، وكل لاعب يريد أن يشوط هو الكرة ليحرز هو الهدف، ويحصل على الصورة، والشو، والتشجيع، والمكافآة. دون أن يدرك هؤلاء أن الأهداف يصنعها كل اللاعبين وليس واحد فقط. مشكلتنا أن الكل عاوز يشوط. ولا أحد يريد حراسة المرمى أو صنع اللعب.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد هيكل
الضربات الاستباقية
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد جابر عياد
ايضا الكل عاوز يشوط