وبداية الحكاية ليست كنهايتها فمن نصر مجيد دخل مبارك التاريخ باعتباره من الأبطال التاريخيين للعسكرية المصرية على مدار تاريخها، ومن الصعب مهما حاول البعض تقطيع تلك الصفحة أن يمحو تلك الصورة البيضاء إلى متهم بقتل الأبرياء السلميين العزل والتربح غير المشروع، خلال فترة حكمه للوطن, وبعد ثلاثين عاما كان فيها الرئيس السابق يتصدر وعى المصريين باعتباره الحاكم المطلق, القوى, الواثق, صاحب السلطة, والأب الأكبر لهم إلى متهم يدخل القفص على سرير طبى ويناديه القاضى بلفظ المتهم محمد حسنى السيد مبارك فيرد: موجود يا فندم !!
لا يهدف المقال إلى السباحة ضد التيار، وإنما لا يجب أن نكسر خوفنا من انتقاد الرئيس السابق إلى الخوف من الحديث عنه بموضوعية فآفة الثائر هو الغضب الأعمى وآفة المدعى هو نفاق الثائر!! أما آفة الخائف فهى الصمت.
أما التاريخ فيرصد الحقائق حتى ولو كذب المؤرخون لأنه لا يعرف الهوى فرغم عشق المصريين جميعا للرئيس جمال عبد الناصر إلا أن التاريخ تذكر له نكسة يونيو وامتلاء المعتقلات بالأبرياء وتعذيبهم فى عهده.
نبدأ الحكاية باحتياج نفسى جمعى لدى المصريين جميعًا، وهذا الاحتياج هو الحاجة للشعور بالأمان والخوف من المجهول، وذلك الإحساس هو الذى يدفعنا للخوف من التغيير ويدفع الرئيس السابق إلى أن يظل فى السلطة 30عامًا رغم أنه لم يكن يرغب فى بداية عهده أن يمكث فى السلطة أكثر من فترة واحدة، لكن مظاهرات التأييد الكاذبة وبالروح وبالدم نفديك يا مبارك، والذى نعرفه أفضل من الذى لا نعرفه يجعل للسلطة البريق الأكبر فى حياة الرئيس الذى نسى وعده بألا يطيل فى السلطة حتى خرج منها بمشهد هو الأكثر مأساوية فى تاريخ مصر.
والرئيس السابق يمكن النظر إلى فترة حكمه على ثلاث مراحل, كل مرحلة يمكن أن نحسب لها زمنا بعشر سنوات.. فالمرحلة الأولى لاحظ المصريون مدى جهد الرجل ونشاطه فأعاد مصر مرة أخرى إلى الجامعة العربية، وأعاد مصر مرة أخرى إلى الخريطة الدولية بجهد دبلوماسى غير مسبوق وأصبحت علاقات مصر الدولية متوازنة قائمة على مبدأ الند للند وعلى المستوى الاقتصادى ولا يجب أن ننسى أن الرئيس السابق تسلم بلدا مليئا بالمشاكل الاقتصادية وغياب كبير للخدمات الأساسية، ومن ثم بدأت الخطوات الفعلية للارتقاء بمستوى الخدمات الأساسية للمواطن.
وقد نجح إلى حد بعيد فى توسعة رقعة الخدمات حتى أصبحت تشمل الكثير من الشعب وبدأ الارتقاء الاقتصادى للمواطن الذى كان يشعر بالرضا بعض الشىء رغم عدم وجود الفائض فى ميزانية المواطن وكان الرجل قريبا من الجماهير بحق حتى أحبته ولم يكن آنذاك قد ظهرت عائلة الرئيس على مسرح الأحداث.
تبدأ المرحلة الثانية وقد شعر المواطن أن الأمور تبدو وكأنها ليست كسابق عهدها خصوصا مع غلاء الأسعار والثابت فى تاريخ الشعوب أن الجماهير تقيس مدى النمو فى مجتمعاتها بالجانب الاقتصادى، فالمعيشة التى فيها رخاء تعنى حاكما جيدا أما المعيشة التى يكثر فيها المواطن من الاستدانة للعيش فتعنى أن الحاكم مسئول عن ذلك، والحقيقة أنه على الرغم من الإنجازات العديدة خلال تلك الفترة من بناء شبكة مترو الأنفاق كأول دول فى الشرق الأوسط وأفريقيا وبناء شبكة طرق وكبارى وتطوير لمعالم مصرية كدار الأوبرا إلا أن مشاعر السخط بدأت تظهر على السطح لدى المواطنين بسبب ما يمكن أن تسميه الخنقة المعيشية وارتفاع نسبة البطالة وبدأ إلغاء التعيين الحكومى للخريجين وعلى الرغم من أن الأزمة الاقتصادية كانت عالمية إلا أنه وفيما يبدو اتخذت الحكومة المصرية سياسات صنفت وقتها بأنها تهدف إلى تخلى الدولة عن مسئولياتها عن الجماهير باللجوء إلى الخصخصة غير المدروسة التى أحدثت نوعا من الشرخ الاجتماعى، وبدأت تظهر الفوارق بين الطبقات والرأسمالية التى تهدف لخدمة أفراد بعينهم معروفة بأخلاقياتها التى غيرت فى الشخصية المصرية، حيث طرد عمال كثيرون من وظائفهم ولم تحمهم الدولة وقتها وبدأت سيطرة القوة الشرطية على الجماهير وتغير مفهوم أن الشرطة فى خدمة الشعب إلى أن الشرطة فى خدمة القانون وبالتالى خرج المواطن المصرى من حسابات حكوماته المتعاقبة.
بحق كانت الأمور فى سنوات الرئيس الأخيرة توحى بأن الوضع على وشك الانهيار وأن الثورة قادمة لا محالة لكن لم يتصور أحد أن تنتهى بتلك الصورة الدرامية التى كانت بثا مباشرا لجميع أنحاء العالم، ويبدو أن إدارة الرئيس لتلك الأزمة كانت أبعد ما تكون عن التوفيق إذ لجأ إلى البطء وانتظار فوران الشارع وتصعيده للمطالب التى انتهت بالإطاحة به شخصيًا واتخاذه للغة عاطفية تفاعل معها الملايين فى خطابه لولا موقعة الجمل الشهيرة.
والواضح أن الرئيس لم يقرأ الشارع جيدا ولم يفهم متطلبات الجماهيرالتى كانت تنتظر من الرجل الذى دافع عن مصر فى حرب أكتوبر أن يخرج لكى يدافع عن الفقراء الذين أحبوه يوما ما لكن الخطابات جاءت سردا أجوف ليس فيه وعود حقيقية بالإصلاح واعتذار شجاع عن تزوير الانتخابات وترك البلاد لمجموعة من رجال الأعمال جعلت شباب مصر يشعرون أن الوطن الغالى والنفيس لا يخصهم!
وحدثت المأساة التى لم يغفرها الشعب له وهو مقتل 850 شهيداً وآلاف المصابين لمجرد أنهم خرجوا بشكل سلمى يطالبون بحياة أفضل ونظام يحترمهم ويشعر بآلامهم وأيا كان الرئيس متورطا بشكل مباشر أو حتى كان غير متورط، لكنه لم يتدخل من اليوم الأول لكى يحمى الشعب الذى كان يضرب ويهان طيلة 18 يومًا وصحيح أن الرئيس استجاب لمطالب الجماهير، لكنه لم يخرج لكى يعلنها بنفسه ويعتذر صراحة عن الأحداث الدامية، وربما لو فعل لسامحته كثير من الجماهير، لكنه بيان مقتضب لنائب الرئيس يعلن فيه تخليه عن السلطة لتنتهى بذلك قصة الرجل الذى تحول من بطل قومى إلى رئيس يخرج من السلطة بشكل درامى فيه كثير من الإذلال والشعور بالأسى.
الحقيقة أنه ينبغى علينا أن نتفهم تعاطف بعض الجماهير مع الرئيس السابق لأن الشخصية المصرية تربت على احترام الكبار وفى الشارع لو رأيت رجلا كبيرا يهينه شاب صغير تجد كل من الشارع يلقون باللائمة على الشاب الصغير حتى لو كان الكبير مخطئا وينبغى علينا أن نتفهم غضب أمهات الشهداء أيضا ومطالباتهم بالقصاص العادل وهذا حق أصيل لهم.
يا ترى كيف تنتهى القصة فى كتاب التاريخ؟
أدانه الإعلام قبل محاكمته, وغضب عليه الكثير من الجماهير فى الشارع, فماذا يفعل القاضى؟
تلك سطور مما سيذكره التاريخ عن مبارك بما له أو عليه ولعل الحكاية تنتهى بشكل يكون أكثر صعوبة وألما مما بدأت عليه وساعتها لا نعرف أتطلب الجماهير الرحمة أم ستشعر أنه قصاص عادل.
مبارك
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الخالق محسن
يستحق الاعدام
عدد الردود 0
بواسطة:
ايوب نصيف
شهادة حق
عدد الردود 0
بواسطة:
ا د امال حمدي عرفات
الحقيقة للتاريخ
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى المنشاوى
نفهمك جيدا ... ثورة عاطفية مضادة فى العسل !!!
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد المجيد
معك حق وإليك العشر سنوات المحذوفه
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
حسبنا الله ونعما الوكيل
حسبنا الله ونعما الوكيل
عدد الردود 0
بواسطة:
منى
عدم نكر الجميل
عدد الردود 0
بواسطة:
ENG
وجهة نظر
عدد الردود 0
بواسطة:
سمية
المقال عجبنى