استطاع النظام السابق أن يَسْتَقْطِب النُّخَبَ العلمانية فى بلادِنا ويفتح لها قنواتِه ومنابرِه الثقافية كافةَ من أجل مُحاربة التيَّار الإسلامى، والذى كان يمثِّل رأسَ الحربة فى معارضة نظام مبارك وشَحْذِ هِمَم الجميع للاصطفاف لِمُحاربة ما دعاه زورًا وبهتانًا بالإرهاب، وكان هذا النظام نفسه هو صانع الإرهاب الحقيقى.. تلك هى الحقيقة المرة.. أى أنَّ هناك من وضَع يدَه فى يد مبارك رغم الاختلاف بينَهُما لكنَّ الجميعَ اتَّفق على إبادة وإقصاء التيَّار الإسلامى.. ونحن اليوم لا نريد أن نَنْكَأَ الجراح ونرفض إقصاء الآخر إنَّما نعجب من أولئك العلمانيين الذى يَستَتِرون بمدنية الدولة ويرتدون ملابس الوعَّاظ والرهبان وهم ثعالب فى الميدان يُروِّعون الناس من الإسلاميين.
ويريدون بعد الثورة أن يَنْفُثُوا سمومَهم كما كانوا يفعلون فى السابق يَتبادَلُون الأدوار والأبواق.. وبدايةً نؤكِّد أنَّ التيار الإسلامى بطُولِه وعرضه وجميع اتجاهاته يرفض إقصاء الآخر.. لكن من حقِّه أن يُبَينَ عوارَ العلمانيين الذين كانوا بالأمس فى موضع خيانة وتحالفٍ مع النظام السابق لإقصاء الإسلاميين واستبعادهم من الحياة السياسية والمشهد الإعلامى برُمَّته.. بل اعتقالهم وسحقهم. واليوم باتَ العلمانيون يُشْعِلون الحرائق حول وضع الدستور الجديد وشرعوا فى وضع مبادئ حاكمة «فوق دستورية» وتَمَّ البدء بالفعل فى تشكيل لجانٍ لوضعِ هذه المبادئ فوق الدستورية. والأمر قد يبدو فى ظاهره الرحمة وفى باطنه العذاب؛ فالنُّخَب العلمانية تَدَّعى أنَّ هذه المبادئ فوق الدستورية الغرض منها حماية الحريات العامة والتعددية وسيادة القانون والمساواة.. لكن فى الحقيقة الغرض منها تفريغ المادة الثانية من الدستور من مَضْمُونها الحقيقى وتحويلها إلى إطار بلا مضمونٍ فى محاولةٍ فعليةٍ لعَلْمَنة الدولة المصرية ومحو هويتها الإسلامية.
ومصر - رائدة العالم الإسلامى - لا تصْلُح معها هذه العلمانية؛ لأنَّ الإسلام مُتجذِّر فيها، فهؤلاء المتغرِّبون المفتونون بأوروبا يجهلون حقيقة علاقة الإسلام بالدولة والسياسة؛ لأنَّ هذه العلاقة كانت قضيةً محسومةً وموضعَ إجماع.. فالإسلام عقيدة وشريعة، وسياسةً وجهاداً وقانونًا وعلى امتداد ثلاثة عشر قرنًا من عمر الحضارة الإسلامية لم يعرف الناس حديثًا عن الفصل بين الدِّين والدولة، إلا مع طلائع الغزو الفكرى الغربى لبلادنا فى العصر الحديث، أول مَن ادَّعَى العلمانية فى بلاد الإسلام، ونفَى علاقة الإسلام بالسياسة والدولة هو على عبد الرَّزَّاق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» وذلك فى سنة 1925م ويومَها ثارَت معركة فكرية كبيرة ضدَّ الرجل انْحاز لها مفكرو الأمة؛ إسلاميون ووطنيون من لَدُنّ سعد زغلول إلى طه حسين.. لكن الجدل يشعله العلمانيون اليوم بعد ثورة 25 يناير مخافةَ تكرار الدولة الكَنَسية التى عَرَفَتْها أوروبا، والأمر مختلف تمامًا للدولة التى يَنْشُدُها التيار الإسلامى والتى تُمثِّل نمطًا متميزًا وضعت قيمًا وأخلاقًا وأحكامًا وحدودًا يتحرَّكون فى ظلالها وتركت للناس الحرية كاملة فى اختيار الحاكم، وجعلت بينَه وبين الرَّعِيّة عقدًا يُمْكن أن يُفْسَخ فى أى وقتٍ، إذا طرأ فساد على العقد.. وتركت لهم حرية تدبير شؤونهم وحياتهم.. ويكفى أنَّ أوروبا تَجَرّعت كأس العلمانية المسمومة حتى أصبح الإنسان فى الغرب بلا روح ولا قِيم ولا أخلاق، وتفسَّخت فى ظلِّها الروابط الاجتماعية والدينية.. وأصبح الرجل يصاحب خليلات ويُحرّم عليه الزواج، والمرأة لها أصدقاء خارج نطاق الزوجية، وانتشر العقوق والعلاقات المحرَّمة، وأصبح الإنسان فى الغرب يشعر كأنَّه آلة بلا روح مما أدَّى لشيوع حالات الانتحار.. وهجَر الناس دورَ العبادة والكنائس.
فهل يريد العلمانيون فى مصر أن نَجْنِى ثمار علمانِيَّتهم الخبيثة التى بارَت بضاعتها فى الغرب، ويتمزَّق هذا المجتمع المُتديّن بفطرتِه، والذى لا يقبل بغير الهويَّة الاسلامية بديلاً..على العلمانيين أن يَلُوذوا بالصمت وألا يفتحوا باب خيانتهم للوطن بتحالُفِهم مع النظام السابق حتى لا يَلفِظهم الناس أكثر من ذلك، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} صدق الله العظيم.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عمرو
يا أخي أقسم بلله لخصت كل مافي عقلي
مقال رااااااااااااااااااااائع
عدد الردود 0
بواسطة:
عامر
عاوز افهم حاجه ارجوك
عدد الردود 0
بواسطة:
mhmd
ما شاء الله
مقال ولا اروع اصبت الهدف
عدد الردود 0
بواسطة:
الجعفري
رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
مينا
يا عم اركن
عدد الردود 0
بواسطة:
helmy
فهمنى مع الاستاذ عامر
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالرحمن ابواللوق
مقال والله اكثر من رائع شكرا للكاتب
عدد الردود 0
بواسطة:
Ahmed Tawfik
العلمانية لاتعنى إلغاء الدين ولاتسعى لمحاربته
عدد الردود 0
بواسطة:
تعليق رقم 2
مقال مضحك
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عزت
والله طول ما في حضرتك في البلد ، اكيد البلد بخير