اتفق عدد من ممثلى التيارات الليبرالية الدينية على ضرورة البحث عن ليبرالية مصرية لا تصطدم بالإسلام، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعظم صور الدولة المدنية فى الإسلام الذى لم يعرف يومًا الدولة الدينية، كما طالبوا بتطهير الإعلام ونبذ الآراء الشاذة التى تسىء إلى الإسلام الصحيح.
جاء ذلك خلال المناظرة التى عقدتها ساقية عبد المنعم الصاوى، فى الحادية عشر والنصف مساء أمس الجمعة، واستمرت حتى الواحدة بعد منتصف الليل، بين التيارات الدينية الليبرالية، وتحدث فيها كل الدكتور ناجح إبراهيم عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، والإعلامى محمد مبروك وعضو اللجنة النوعية بالوفد، جمال نصار القيادى بجماعة الإخوان المسلمين ومدير المركز الحضارى للدراسات المستقبلية، والدكتور عمرو حمزاوى أستاذ العلوم السياسية، والباحث الدكتور وحيد عبد المجيد، رئيس مركز الأهرام للترجمة والنشر، ومحمد نور ممثلاً عن حزب النور السلفي، وأدارها المهندس محمد عبد المنعم الصاوي، وحضرها عدد كبير من رجال الإخوان والسلفيين والشباب.
وقال ناجح إبراهيم إن وثيقة المدينة التى وقعها الرسول صلى الله عليه وسلم مع يهود المدينة هى المثال الأعظم للتعددية لأول دستور فى الإسلام انضوى تحته ثلاثة أديان وأجناس، وتضمن 47 مادة كان منها على سبيل المثال "أن من تبعنا من اليهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم"، كما أن الإسلام ربط مبدأ التعارف بالاختلاف وليس بالقتال، وأن الشريعة الإسلامية هى مصدر القانون فى الدولة أما الأمة فهى مصدر السلطات، التى تراقب الحكومة وتقومها وتعزلها إن خانت الأمانة الموكولة إليها.
وأكد إبراهيم على أن كل مذهب وضعى مثل الاشتراكية والليبرالية له حسنات كثيرة تتوافق مع الشريعة الإسلامية، ولكن هذا لا ينفى وجود بعض العيوب فيها، ولكن الإسلام يتميز بأنه الحسنة الأعظم لأنه أشبه بالشمس إذا ما طلعت، لم تجعل لهذه المذاهب مهما كانت عظمتها لا تساوى شيئًا بحواره، مشددًا على ضرورة البحث عن ليبرالية مصرية لا تصطدم بالإسلام، وتكون مقبولة من الشعب المصرى وألا نستورد ليبرالية لا تتناسب مع أعرافنا وديننا، ولا بد من توافق شعبى على حد مقبول من الثوابت الدينية والوطنية بيننا جميعًا وتحقق السلم الأهلي، وتحول بين العنف الباطن فى الصدور أو الظاهر، برأيى أن ضوابط التوافق المجتمعى تتحدد فى نقطتين، الأولى هى احترام حقوق الأقلية، والثانى احترام الأقلية لإرادة الأغلبية.
وضرب إبراهيم مثلاً بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مشكلة وضع الحجر الأسود، قائلاً: كان بإمكان رسول الله أن يحمل الحجر بنفسه ويضعه فى مكانه، ولكنه أبى ذلك، فجاء برداء وجعل لكل قبيلة أن تمسك بطرف منه، مضيفًا ولو تصورنا الحجر الأسود هو مصر، فلكل فصيل الحق فى المشاركة فى بناء مصر.
وقال محمد مبروك علينا أن نؤكد على أن اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة هى أكذوبة وأنه لا أحد معصوم، وأن كل الشواهد تؤكد على أن هناك فارق بين الإسلام كدين ودولة، وأن الدولة المدنية هى من حافظت على الإسلام، فدستور 1923 حينما أعدته اللجنة تضمن فى المادة 49 أن الإسلام هو دين الدولة وأن اللغة العربية هى لغتنا الرسمية، وفى وقتها لم يكن هناك سلفيين فى مصر، والإخوان المسلمين تأسست عام 1928، ومع ذلك كان هناك تيار ليبرالى وآخر تنويرى يسافر لإنجلترا ويعود ولكن مصر لا تستطيع أن تستغنى عن الدين، وهذا ما أوجد مادة فى الدستور أن المصريين كلهم سواء ولا تميز على أساس الدين أو الجنس أو اللون، ولهذا فالاعتراض على هوية مصر الإسلامية غير مبرر.
وأوضح مبروك أنه ممن ينحازون للديمقراطية على حساب الشوري، لأنه فى الوقت الذى يقول فيه كثيرون بأن الشورى هى الملاذ الآمن لنا كمسلمين، وأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بها، إلا أنهم لا ينظرون للتاريخ جيدًا فيروا أن هذه الشورى قد ضرب بها عرض الحائط على أيدى التابعين وتابعيهم، واستشهد جمال نصار بقول ابن خلدون "أن الإنسان مدنى بطبعه"، موضحًا أن فكرة الإيعاز إلى الناس بأن الإسلام يدعو إلى الدولة الدينية هى مجانبة للصواب والبعد عن الحقيقة، فالإسلام فى تاريخه لم يعرف ما يسمى بالدولة الدينية، وإذا نظرنا للتاريخ فإن الدولة الدينية عرفت فيما يسمى بالعصور المظلمة حينما كان رجال الكنيسة يسيطرون على الدولة ومجريات الأمور، أمام الإسلام فهو يعرف الدولة المدنية بامتياز، ولدينا فى ذلك دستور المدينة الذى وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضًا الوثيقة العمرية التى أعلنها عمر بن الخطاب أثناء فتحه لبيت المقدس.
وأكد نصار على أن تخوف البعض من التيار الإسلاميين أمر لا مبرر له، وليس له محلاً من الإعراب، لأنه للأسف فإن كثيرين من دعاة الديمقراطية يقولون بأنها ستأتى بالإسلاميين، وهذا ظلم واعتداء على حق الشعب المصرى الذى سيختار من يمثله.
وشدد نصار على أن حزب الحرية والعدالة يدعو لأن تكون مصر دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، بمعنى أن القوانين التى تصدر عن هذه الدولة لا تخالف الشريعة الإسلامية، مشيرًا فى هذا الصدد إلى ما قاله البابا شنودة عام 1985 وتحديدًا فى السادس من مارس لهذا العام فى صحيفة الأهرام قال ما نصه "أن الأقباط سيكونون أسعد حالاً فى ظل الشريعة الإسلامية لهم ما لنا وعليهم ما علينا".
وقال نصار لو نظرنا لليبرالية فى معناها فسنجدها تدعو إلى المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية وهذه هى أصول أساسية فى الإسلام، وللأسف هناك بعض الليبراليين متعصبين ولهذا أقول أن من يعادى فكرة مدينة الدولة ذات المرجعية الإسلامية فهو إما أنه يجهل طبيعة الدولة الإسلامية، أو أنه يعادى بطبيعته الفكرة الإسلامية.
وأشار عمرو حمزاوى إلى إن العامل المشترك حول دعاة الدولة المدنية من داخل التيارات الليبرالية، والدينية، هو أنهم يشتركون فى البحث عن سيادة القانون وتداول السلطة على أساس قاعدة الاختيار الحر للمواطنين، ولكن المشكلة هى أن الأطراف المصرية دفعت للتناحر فيما بينها وغيبت عن هذه الأرضية، وهو ما يستلزم إنهاء هذه الحالة التى لا فائدة منها سوى ضياع الوقت.
وشدد حمزاوى على أنه علينا فى ممارسة العمل السياسى الابتعاد عن لغة التحريض وشيطنة الآخر وتكفيره وتخوينه، فهذه أهم ضوابط الحوار، لأننا إن لم نلتزم بالابتعاد عن العنف وإقصاء الآخر، ولا يمكننا أن نتنصل من قبول التيارات الليبرالية لاعتداء النظام السابق على التيارات الدينية.
ورأى محمد نور إن الشارع المصرى والتيارات السياسية تعيش مشكلة مصطلح تم جلبها إلينا من الخارج، مؤكدًا على أن الدولة المصرية لم تعرف فى تاريخها مصطلح الدولة الدينية أو المدنية، فالاستعمار الذى عانينا منه خرج وترك لنا استعمار ثقافي، وهو ما يجب على كافة التيارات الموجودة أن تغسل أنفسها من هذا الاستعمار.
وأضاف نور: أقول لإخواننا الليبراليين والعلمانيين فى إطار العتاب وليس التخوين: إذا لم نتكلم نحن بالدولة الإسلامية وثقافتها، فماذا سنقدم للعالم، فهل هم محتاجون أن نكون دعاة لثقافتهم وفكرهم؟.
ودعا نور كل الشركاء فى الوطن إلى الخروج من أسر المصطلحات وأن ندخل فى صلب المعانى بشكل مباشر، مضيفًا "وأظن أن الجميع يتفق على أننا نريد دولة القانون، ونعتقد أن الإسلام لا يناقض هذه الدولة لأنه أسس لهذه الدولة، ولا يوجد فى تاريخ الإسلام الصحيح وليس المنحرف من أله الحاكم".
وأكد على أنه إذا عادت مصر إلى الديكتاتورية كما كانت قبل الثورة، فلن يرحم هذا الديكتاتور الشعب المصري، لأن السقف إذا وقع لن يفرق بين العلمانى والسلفى والليبرالى والإخواني، والمتحولون موجودون، وجاهزون لتقديم خدماتهم لهذا الديكتاتور، علينا أن ننقذ مصر ونقدم للعالم نموذجًا مصريًا خالصًا، كما قدمنا نموذجًا بمحاكمة "مبارك"، وعلينا أن نتفرغ للعمل ثم العمل، وألا نشغل أنفسنا ببعض الأقوال الشاذة التى تخرج من بعض التيارات الدينية والسياسية، وأن ننظر فى مثل هذه الحالة إلى مكانة المتحدث ومنهج ورؤية التيار الذى ينتهى يدعى أنه ينتمى إليه، ومن المؤكد أننا سنجد اختلافًا كبيرًا بين هذه الأقوال الشاذة وما تدعو إليهع التيارات الدينية أو السياسية.
ودعا ممثل حزب "النور" إلى عدم تصنيفهم إلى سلفيين، مؤكدًا على أنهم جمعيًا مصريين وأن التنصيف هو ما يؤدى إلى الفرقة، كما دعا إلى تطهير الإعلام المصرى من بقايا فلول النظام السابق، الذين مازالوا يضللون الناس ويأتون بشخصيات تتسبب فى إحداث حالة من الفزع فى الشارع المصرى والفرقة بين اللحمة الوطنية، التى أنجحت الثورة وقدمت درسًا عظيمًا للعالم بمحاكمة "مبارك".
وقال وحيد عبد المجيد لا شك وأن هناك توافق عام على أن هذه الدولة عربية إسلامية، ولكن للأسف من لآخر نستدرك لخلافات واهية، وفى حقيقة الأمر أننى أريد أن أسجل للتاريخ أن الذى حفظ هوية مصر العربية والإسلامية فى عصر الاستعمار لم يكونوا هم الإسلاميين، كما أن الهوية العربية الإسلامية لا يمكن تحتكر من فريق واحد بينه، وبالتالى هذا الصراع لا بد أن نضع حدًا له، وعلينا أن نتنافس فيما ينفع هذا البلد.