محمد فوزى طه يكتب: أمل دنقل.. النبوءة والموت

السبت، 13 أغسطس 2011 02:41 م
  محمد فوزى طه يكتب: أمل دنقل.. النبوءة والموت الشاعر الكبير أمل دنقل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ها أنا فى ساعة الطعان.. ساعة أن تخاذل الكماةُ.. والرماةُ.. والفرسان
دُعيتُ للميدان!.. أنا الذى ما ذقت لحم الضان.. أنا الذى لا حول لى أو شان.. أنا الذى أقصيتُ عن مجالس الفتيان أدعى إلى الموت.. ولم أدع إلى المجالسة! عندما تتجرأ وتبحر فتكتب عن الشاعر النحيل جسدا.. الكبير موهبة.. الثائر دوما.. قرين زرقاء اليمامه وما يملكه من حدس فيما سيأت من أحداث ستعرف بعد زمن أنه كان يقرأ من كتاب مفتوح.. فرؤيته ثاقبة لحد الدهشة يترجمها شعرا يحملك إلى حيث يريد لترى بنفسك الحقيقة مجردة دون كذب أو افتعال يقرنه بالدلائل التاريخية فيسردها عليك بكثافة خاطفة لتعى الحقائق وكيفيه التعامل معها.. فينجح هو بامتياز لنسقط نحن مع مرتبة الشرف الأولى لأننا لم نقم بما علينا حينما كتب وبرهن لانشغالنا بالتوافه.. فلم نعبأ يوما بنبواءته فنحن دوما كسالى ننتظر الحدث إلى أن يأت، وعندما يأتى لا نحسن التصرف معه فلقد نسينا النبوءة واندهشنا لقدوم الحدث! أليس هو القائل: _ كلُّ شىءٍ تحطَّم فى نزوةٍ فاجرة والذى اغتالنى: ليس ربًا.. ليقتلنى بمشيئته.. ليس أنبل منى.. ليقتلنى بسكينته.. ليس أمهر منى.. ليقتلنى باستدارتِهِ الماكرة.. لا تصالحْ .. فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..(فى شرف القلب) لا تُنتقَصْ والذى اغتالنى مَحضُ لصْ سرق الأرض من بين عينى.. والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة! وفى الكعكة الحجرية كان فى الميدان يعلم ماذا سيحدث بدقة فى مصر مستقبلا فلقد كانت المظاهرات فى السبيعينات وقت اللاسلم واللاحرب هى بروفة صغيرة بالنسبة لما سيكون يوما: دقت الساعة الخامسة.. ظهر الجند دائرة من دروع وخوذات حرب.. ها هم الآن يقتربون رويداً.. رويداً.. يجيئون من كل صوب.. والمغنون - فى الكعكة الحجرية.. ينقبضون.. وينفرجون.. كنبضة قلب! وإن كانت نبواءاته وشعره وصلت للمستوى الذى يجعلك تخبط رأسك بيدك من كم الإبهار الذى رأيته فى شعره، واصفا بدقه كل شىء، وقد عرض كل ذلك عليك كمتصوف زاهد لا يتمنى سوى أن يكون مقامه يوما مع الصادقين.

اترك هذا كله وانظر إليه وهو على فراش المرض وهو يتأمل بروحه الجميلة الورود التى جاءته من محبيه فتحدثه حديث الألم والموت متمنيه له الحياة .. _ وسلالٌ منَ الورِد.. ألمحُها بينَ إغفاءةٍ وإفاقة.. وعلى كلِّ باقةٍ.. اسمُ حامِلِها فى بِطاقة.. تَتَحدثُ لى الزَهراتُ الجميلة.. أن أَعيُنَها اتَّسَعَتْ - دهشةً -.. لحظةَ القَطْف.. لحظةَ القَصْف.. لحظة إعدامها فى الخميلة!.. تَتَحدثُ لى.. أَنها سَقَطتْ منْ على عرشِها فى البسَاتين.. ثم أَفَاقَتْ على عَرْضِها فى زُجاجِ الدكاكينِ، أو بينَ أيدى المُنادين.. حتى اشترَتْها اليدُ المتَفضِّلةُ العابِرة تَتَحدثُ لى.. كيف جاءتْ إلى.. وأحزانُها الملَكيةُ ترفع أعناقَها الخضْرَ، كى تَتَمنى لى العُمرَ! وهى تجودُ بأنفاسِها الآخرهْ!! فى مرضه لم يكن كالمرضى الذين يتأوهون ضعفا من الألم فيضيقوا به وبأنفسهم فينسوا كل شىء سواه لقد تغلب أمل على ذلك بقوة الجنوبى الذى لا يسقط إلا إذا صرعه الموت لا المرض! صرت أقدر أن أتقلب فى نومتى واضطجاعى.. أن أحرك نحو الطعام ذراعى.. واستبان السرير خداعى.. فأرتعش وتداخل - كالقنفذ الحجرى - على صمته وانكمش قلت: يا سيدى.. لم جافيتنى؟ قال: ها أنت كلمتنى وأنا لا أجيب الذين يمرون فوقى سوى بالأنين.. فالأسرة لا تستريح إلى جسد دون آخر.. فالأسرة دائمة.. والذين ينامون سرعان ما ينزلون.. نحو نهر الحياة كى يسبحوا.. أو يغوصوا بنهر السكون.. ويحلق مع الطيور وما تعنيه تحليقا وسقوطا :_
الطيور.. تحتوى الأرضُ جُثمانَها.. فى السُّقوطِ الأخيرْ! والطُّيُورُ التى لا تَطيرْ.. طوتِ الريشَ، واستَسلَمتْ.. هل تُرى علِمتْ أن عُمرَ الجنَاحِ قصيرٌ.. قصيرْ?! الجناحُ حَياة والجناحُ رَدى. والجناحُ نجاة، والجناحُ.. سُدى!.. ويصمت الشاجى ليبكيه الوتر.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة