الرهان الخاطئ على الصوفية

لم آخذ مليونية فى حب مصر مأخذ الجد منذ اللحظة الأولى، ولم يساورنى أى شك فى أنها لن تنجح فى حشد مليون مواطن، معظمهم من الحركات الصوفية، كما خطط القائمون على هذه الدعوة.. وقد بنيت توقعاتى على سابق معرفة بالحركات والطرق الصوفية لسنوات طويلة، وربما منذ الطفولة.
نعم الصوفية هى أكبر حزب فى مصر، لكن الصوفيين ليسوا رجال سياسة فى إطار الطريقة أو الحركة أو الخليفة الذى يتبعونه، بمعنى أن كل مجموعة تدين بالولاء الكامل للخليفة، أو شيخ الطريقة، فيما يخص أمور الطريقة فقط، لكن فيما يخص الشأن العام، فإن كل عضو بطريقة صوفية هو فى النهاية ابن قرية أو عائلة، لها توجهات سياسية وانتخابية معينة تعلو فوق الانتماء للطريقة الصوفية.
ومن يتابع جيداً السنوات الماضية، يقرأ بالتأكيد بيانات من نوعية 5 ملايين صوفى يؤيدون الرئيس حسنى مبارك، وثمانية ملايين صوفى يؤيدون التعديلات الدستورية، وغيرها من البيانات التى تصدر إما عن المجلس الأعلى للطرق الصوفية أو مشايخ تلك الطرق، لكنها فى الغالب الأعم لم تكن أكثر من بيانات للاستهلاك الصحفى والإعلامى، بينما تاريخياً لم يقف الصوفية موقفاً واحداً، أو ينحازوا بشكل جماعى وراء قرار سياسى، لأن هذا يخالف طبيعة وتركيبة الحركات الصوفية فى مصر.
الصوفيون فى بلدنا يحبون الرسول، عليه أفضل الصلاة والسلام، كما يحبون آل البيت الكرام، وهذا هو الرابط الوحيد والكبير بينهم، يتحركون بالملايين للاحتفال بمولد السيدة زينب، رضى الله عنها وأرضاها، أو للاحتفال بذكرى مولد سيدنا الحسين، رضى الله عنه وأرضاه، لكن لا يستطيع كائنا من كان داخل الطرق الصوفية أو خارجها جمع ملايين المنتظمين فى تلك الطرق فى غير ما اجتمعوا عليه، وهو حبهم لـ"آل البيت".
الصوفية فى مصر ليست حركة سياسية، لم تكن، ولن تكون، وبالتالى فإن محاولة تسييسهم واستدعائهم للوقوف فى وجه حركات الإسلام السياسى، مثل السلفيين والإخوان والجماعة الإسلامية والجهاد، هو استدعاء فى غير محله، لأنهم ليسوا من أصحاب الإسلام السياسى، ولا يريدون، وللأسف فإن القوى المدنية التى أرادت أن تغطى فشلها عبر حشد الصوفيين فشلت مرة أخرى فى قراءة المشهد، وتصورت أن الصوفيين مثل السلفيين، يمكن أن يجتمعوا من أجل مبدأ أو لدعوة من زعيم أو مرجعية دينية.
اتركوا الصوفيين فى حالهم، فهم لا ينشرون التشيع فى مصر، ولا يتمولون من إيران، ولا يمارسون السياسة، ولا يريدون، فلا تجروهم إلى ملعب السياسة بكل ما فيه من مساوئ.