الدولة المدنية"، مصطلح بدأ يفرض نفسه على الرأى العام فور تنحى الرئيس السابق، ورغم اتفاق كل القوى السياسية على تبنى "مدنية الدولة" لتصبح منهجاً فى بناء الوطن الحر بشكله الجديد، إلا أننا نلاحظ أن هناك اختلافات فى الرؤى حول التطبيق بين تيارين رئيسيين يتصارعان الآن على الساحة .
التيار الأول الذى يتبنى الدولة المدنية "بدون مرجعيات"، يرى ضرورة الابتعاد عن خلط الدين بالسياسة، حتى يستوعب الوطن الجميع، ويشدد هذا التيار، الذى يضم اليساريين والليبراليين، على أهمية تبنى الدولة لرؤى وسياسات حرة لا تكبل البناء السياسى بالقيود الدينية، بحيث تصبح مصر لكل المصريين مسلمين ومسيحيين، ويعتبر أن الدولة الدينية شمولية وذات اتجاه أحادى.
أما أصحاب التيار الثانى فيتبنى "الدولة المدنية" بمرجعية إسلامية، من منطلق أن مصر دينها الرسمى هو الإسلام، وبالتالى من حقهم أن يؤكدوا على هذه الهوية، وفى نفس الوقت يشدد هذا التيار على مدنية الدولة فى مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن هذا المنطلق نجد أنهم يستبدلون أحيانا استخدام مصطلح الدولة المدنية بمصطلح الدولة الإسلامية، معتبرين أن الحديث عن إقصاء الدين من الحياة السياسية مرفوض تماما، لأن الإسلام يحفظ حقوق الجميع دون النظر إلى دينهم، وبالتالى فإن الدولة الإسلامية هى دولة مدنية، قادرة على استعادة أمجاد الحضارة الإسلامية بروح عصرية. ورغم أن كل تيار له أسانيده وأسبابه المقنعة فى طرح رؤيته، ورغم أن كلا التيارين تجمعهما قواسم مشتركة فيما يخص الحريات والمساواة والعدالة وهوية الدولة، إلا أنهما يصران على السير فى اتجاه واحد وتبنى النقاط الخلافية.. أى أن كل طرف يريد فرض أيديولوجيته على الآخر فى مرحلة ما قبل البناء عن طريق الاختباء وراء الدول المدنية.
وأخيرا سؤال برىء أرجو أن أجد الإجابة عنه.. لماذا هذا التقارب الليبرالى الصوفى العجيب فى الفترة الأخيرة؟ وهل يعنى ذلك أن الذين تشددوا فى التمسك بمدنية الدولة دون مرجعيات بدأوا اتخاذ خطوات فى اتجاه التأكيد على أهمية الدين فى حياة المصريين؟.. أم أنها لعبة من أجل مواجهة مد الإسلاميين الجارف بعد جمعة 29 يوليو؟ .