من أهم ما يميز ربيع الثورات العربية الأخيرة، كونه بدأ سلمياً وخالياً من لون الدماء الأحمر، لكن القمع والقبضة الأمنية التى لا ترحم قد استطاعت أن تريق دماء المواطنين الأحرار الذين خرجوا ليطالبوا بحريتهم وبكرامتهم المسلوبة، لكن فى بعض المناطق فُرضَ على الثوار أن يحملوا السلاح ليقاوموا طاغية محلى كما حدث مع أهل ليبيا، حين أجبرهم جنون القذافى إلى حمل السلاح للتصدى والدفاع عن أنفسهم ووطنهم من كتائب غاشمة و مرتزقة أفارقة جلبهم القذافى لقتل أبناء شعبه ، ثمة ميزة أخرى فى ثورات الشعوب العربية كونها خالية من الصبغات الأصولية فهى بيضاء تخلو من التعصب لفئة معينة أو حزب معين ، بل ان خروج الجماهير الى الشارع كان عفوياً مدفوعاً بهموم و ظلم مكبوت لسنوات طويلة مضت .
لقد وصل الكبت والقمع إلى جعل الناس تشعر بحالة من اللامبالاة وعدم الشعور بالانتماء ، فكون الأنظمة الحاكمة تفعل ما تريد دون الرجوع الى الشعب هو امر فى حد ذاته يجعل أى مواطن ان يفقد إحساسه بالحياة وبالمواطنة ، بل ويدفعه ذلك إلى الانطواء على الذات و التنكر للمشاعر، هذا كله بخلاف العذاب المدفون نتيجة القمع والقهر الذى يلاقيه من قبل الاجهزة الامنية المستوحشة، والنضال اليومى للبحث عن لقمة العيش التى قد باتت صعبة وأحيانا مستحيلة على البعض بفضل سياسات فاشلة كانت تنتهجها حكومات من اللصوص والخونة لأمانة المسئولية، كل هذه الأسباب وأكثر جعلت كل مواطن عربى يصبح شخصا غريبا فى وطنه ، وما أسوأ الشعور بالاغتراب داخل الوطن!
على مر عقود كانت الأجهزة الأمنية فى بلدان العرب من المحيط إلى الخليج تعمل على جعل المواطن العربى مجرد ألة تسبح بحمد الحاكم وذلك تحت وتيرة القهر والخوف المستمريين ، فابت المواطن لا يشعر بآدميته و بات جزء مهمل من المجتمع لا يتذكره الحاكم سوى عند إقامة المهرجانات الشعبية المؤيدة ـ بالتأكيد ـ لنظامه و لحكومته ، ليصبح المواطن مجرد ألة صوتية تهتف و تصفق لنفس الأشخاص القابعين فى الحكم منذ عقود دون أى تغيير يُذكر فى الأسماء أو الأوجه ، لقد كان من أولويات الأنظمة العربية المستبدة أن تبنى سلطة الأمن لترسخ هيمنتها على السلطة وذلك على حساب مناحى أخرى أهم و أولى مثل التنمية والاصلاح ، وكيف كان للاصلاح أن يأتى إذا كان بالأساس لا تُذكر كلمة " إصلاح " إلا فى خطابات مكررة يلجأ إليها الحكام عند الحاجة لتجميل وتبيض سجلات أعمالهم السوداء و المكتظة بمصائب الفساد و السرقات ، لقد ترددت كلمة " إسلاح " أكثر من مرة منذ نشوب الشرارة الأولى للثورة فى تونس و ظل يكررها زعماء البلدان التى قامت فيها الثورات لاحقا ، لكن أى " إصلاح " هذا الذى يتحدثون عنه بعد ضياع عقود من أعمار الأوطان دون أى تمنية او إصلاح ، فقط هى السرقة و فقط هو الفساد .. هذا كل ما كانوا يقدمونه ـ أو بالأحرى يرتكبونه ـ بحق أوطانهم وشعوبهم .
ستظل الثورات العربية نموذجاً للانتفاضة الشعبية السلمية لمواجهة ظلم الحكام ، وسيظل أحد أهم مكتسبات تلك الثورات أنها أعادت الهوية لبنى العرب فى بلدانهم ، بعد أن فقدوا مواطنتهم و أدميتهم فى بلاد حكمها طغاة لعقود من الزمن ، ربما لم يكن فى حسبان الحكام حينها أن الأوطان ستبقى .. والزعماء سيرحلون ، وستنتصر الشعوب وتتحرر فى النهاية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبداللطيف أحمد فؤاد
بعد أكل الكنافة وشرب العصير
عدد الردود 0
بواسطة:
roma roma
وماذا بعد...!!!!!!!!!!!!