فضيلة المفتى الدكتور على جمعة يكتب: "فاذكرونى أذكركم"

الجمعة، 12 أغسطس 2011 05:16 م
فضيلة المفتى الدكتور على جمعة يكتب: "فاذكرونى أذكركم" فضيلة المفتى على جمعة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمر المرء فى حياته بأيام عصاب يجد نفسه فيها فى أشد الحاجة إلى الرجوع إلى الله، وعلى الرغم أن ذكر الله فى كل حين هو طريق الفلاح والنجاح والرباح، إلا أن الإنسان دائم النسيان حتى قال الشاعر:
وما سمى الإنسان إلا لنسيانه
وما أول الناس إلا أول ناس
فهو يشير إلى أن اشتقاق الإنسان اللغوى من النسيان، وأن أصل كلمة الناس هو أيضاً النسيان على ما فى هذا من اختلاف بين أهل اللغة، ويشير مرة أخرى إلى قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) «طه: 115» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَنَسِىَ آدَمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ». «رواه الترمذى».

ونرى طريق الذكر فى القرآن والسنة ومنهج الصالحين طريقاً لازماً مؤكداً فيه ترويح للنفوس وشحن للهمة، ودافعا للصالحات ومانعا للسيئات وحصنا عن اليأس ونورا فى القلب بما يبنى الإنسان، ويجدد حياته ويجعله كل يوم فى ثوب جديد، ويجعله قادراً على أداء مهمته فى الأرض من عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس.

أما القرآن الكريم فنرى فيه قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِى وَلاَ تَكْفُرُونِ) «البقرة: 152»، وقوله سبحانه: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) «الأحزاب: 35»، وقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) «الأنفال: 45»، وقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) «العنكبوت: 45».

فهذه الآيات تدعونا إلى دوام ذكر الله فى كل حركاتنا وفى كل حين، وهذا نجده واضحاً فى أمرين:
الأول فى العبادات، فبداياتها ذكر، وجوهرها ذكر، وختامها ذكر قال تعالى: (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) «الأعلى: 15»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَىْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» «رواه مسلم»، وفى الصيام قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) «البقرة: 185»، وقال سبحانه فى شأن الحج: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) «البقرة: 198» وقال تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) «البقرة: 203».

الثانى فى العادات فى السنة الشريفة التى جعلت قبل الطعام بسم الله، وفى نهايته الحمد لله، وفى أول اللقاء السلام عليكم ورحمة الله، وهو ما يقوله المصلى فى نهاية صلاته يستقبل بها العالم والحياة، وفى الانصراف من المنزل بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعند الدخول إلى المساجد اللهم افتح لى أبواب رحمتك، وعند الخروج اللهم افتح لى أبواب فضلك، وجمع كثير من العلماء أذكار الصباح والمساء فى كتب مفردة منهم النووى فى كتابه «الأذكار» والشوكانى فى «تحفة الذاكرين» وابن الجزرى فى «الحصن الحصين» وابن تيمية فى «الكلم الطيب»، وابن القيم فى كتابه «الوابل الصيب»، وغيرهم كثير حتى رصدوا لكل حركة من حركات الإنسان ذكراً مخصوصاً له فيها.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحة عامة: «لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ». «رواه أحمد والترمذى وابن ماجة»، ومن الواقع المحسوس أن اللسان لا يكون رطبا مع كثرة الذكر بل يجف، ولكن هذا الجفاف المحسوس الملحوظ الذى هو عند الله هو الرطوبة المحمودة وهذا مثيل لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ». «متفق عليه» وقوله صلى الله عليه وسلم: « لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِى سَبِيلِهِ - إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَماً اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ». «أخرجه البخارى».

فمعلوم من الواقع أن خلوف الفم وهو رائحته الكريهة مما يحرص الإنسان على إخفائها، وقد يكرهها ويمل منها إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يلفت إلى حقيقة أخرى وراء الحس، وهو قيمة هذا الذى تكرهه عند الله (فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) «النساء: 19»، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم فى نفس هذا المعنى: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». «أخرجه مسلم».

فإن الإنسان قد يكره الوضوء فى البرد، ولكن مع كراهيته له فإن فيه الثواب العظيم، ويسأل كثير من الناس أنهم يفعلون الطاعة وهم لا يحبونها فهل هذه خطيئة؟ والإجابة أن هذا محض الإيمان فإن الإنسان إنما يفعلها حينئذ لأنه يطيع ربه مع مخالفة هواه.

5 - ومن أجل هذا الحديث كان مشايخنا يأمروننا أن لا نشرب بعد الذكر حتى يبقى أثر جفاف الريق باقيا عند الذاكر فيشعر بشىء كبير من البركة، ويكون الفم مع جفاف الريق ما زال رطبا ليس باللعاب أو بالماء بل بذكر الله وأثر ذكر الله، وهذا المعنى وإن لم يرد صراحة فى الحديث، وليس تكليفا مباشرا من النبى صلى الله عليه وسلم، إلا أن الإمام الشافعى قد لاحظه فى حديث الخلوف، فقال بكراهية إزالة الخلوف بعد صلاة الظهر حتى يبقى المكلف فى معية المسك الربانى إن صح التعبير.

أما منهج المسلمين فى الذكر فقد أعلوا من شأن ما أسموه بالكلمات العشر المباركات وهى «سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله «وهذه الخمسة أسموها الباقيات الصالحات» أستغفر الله، ما شاء الله، حسبنا الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون، توكلت على الله» ثم توجت بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) «الأحزاب: 56»

ومن هذه الكلمات العشر ما يذكر بها المؤمن بعد صلاته قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ «تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ مَرَّةً».. «متفق عليه».

وسميت الكلمات الخمس بالباقيات الصالحات تفسيراً لقوله تعالى: (المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) «الكهف: 46»، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ». قِيلَ وَمَا هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ » «رواه أحمد».

إن ذكر الله بأسمائه الحسنى منهج تربية للإنسان، وسنعود إلى ذلك مرة أخرى لنرى ما اشتملت عليه هذه الأسماء من الجلال والجمال والكمال، وكيف تتجلى على الإنسان فى عمله الذى يعمر به الكون.





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

انشر

رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

وليد اللبودى

ادعوة لاخوانكم فى الصومال

عدد الردود 0

بواسطة:

من الجزائر

الله اكبر يا شيخ

عدد الردود 0

بواسطة:

علي

بارك الله في فضيلة المفتي

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد عبد الباري

جزاك الله خيرا

اللهم بارك في فضيلة الامام الدكتور علي جمعة

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد

ربنا يكرمك يادكتور

عدد الردود 0

بواسطة:

علي

الأزهر دوماً للأمام

للهم بارك في فضيلة الامام الدكتور علي جمعة

عدد الردود 0

بواسطة:

إسماعيل

لن نبالغ اذ قلنا ان فضيلة الامام العلامة علي جمعه هو مجدد هذا العصر

عدد الردود 0

بواسطة:

rascha

لا ترحل

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الكريم الحجاجي

حفظك الله يا امام

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة