حث الإسلام على المسارعة فى الخيرات فقال تعالى: «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين»، وحث الرسول (صلى الله عليه وسلم) على المسارعة إلى الخيرات، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: «بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتنا كقطع الليل المظلم، يُصبح الرجل مؤمنًا ويُمسى كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا»، ومن المسارعة فى الخيرات امتثال أوامر القرآن الكريم واجتناب نواهيه.
فحين أنزل الله القرآن على نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقرأه هذا النبى الكريم على قومه عمل فى نفوسهم عمل السحر، وبلغ أثره أعماق هذه القلوب، وتغلغل فى حنايا الضلوع وتمكن من مكامن الأرواح، وبدّل الله به هذه الأمة خلفًا آخر، فكان البون بعيدًا والفارق عظيمًا بين الأمة العربية فى جاهليتها وإسلامها. «إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم».
ولقد أثّر القرآن فى نفوس المشركين والمؤمنين على السواء، ولكن أثره فى نفوس المشركين كان أثرًا وقتيًا سلبيًا، وكانوا يفرون منه ويضعون الحوائل فيما بينهم وبينه، يقول بعضهم لبعض: «لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون».
أما المؤمنون، فكانوا «يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب» فكان أثر القرآن فى نفوسهم دائمًا إيجابيًا بدّلهم وغيّرهم وحوّلهم من حال إلى حال ودفعهم إلى كرائم الخصال وجلائل الأعمال، «الله نزّل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثانى تقشعر منه جلود، الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدى به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد».
وها هو القرآن الكريم يُتلى علينا ويُقرأ بين ظهرانينا، فهل تغيرّت به نفوسنا وانطبعت عليه أخلاقنا وفعل فى قلوبنا كما كان يفعل فى قلوب أسلافنا؟ لقد صرنا نقرأ القرآن قراءة آلية صرفة، كلمات تتردد ونغمات تتعدد ثم لا شىء إلا هذا، أما فيض القرآن وروحانيته، وهذا السيّال الدافق من التأثير القوى الفعال، فمن بيننا وبينه حجاب، ولهذا لم نكن صورة من النسخة الأولى، التى ثأثرت بالقرآن وتبدلت نفوسها به، وها نحن الآن نريد أن نقتدى بهذا السلف، ونريد أن ننهض من جديد فى نفوس المسلمين وشعوب المسلمين بالقرآن. وها هو شهر القرآن، شهر رمضان المبارك يظلنا بروحانيته، فهل لنا أن نتصل بالقرآن صلة حقيقية تطهر من أرواحنا وتغير من نفوسنا؟ إننا نؤثر الدنيا ونحبها من كل قلوبنا، فهل لنا أن نستمع إلى قول الله العلى الكبير: «قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين»، وقوله تعالى: «بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى»، وقوله تعالى: «ماعندكم ينفد وما عند الله باقٍ»، فنؤثر ما عند الله على ما عند أنفسنا، ونحرص على مرضاته وجزيل مثوبته ولا نعبأ بما يصيبنا فى سبيل الحق، الذى ندبنا إليه من أذى فى النفوس أو الأموال، ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ولن يصيبنا إلا الخير بإذن الله، «فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين»، وإننا ننظر إلى الأسباب نظرة هى كل شىء، ونهمل فى حسابنا إرادة العلى الكبير ومناصرته لأوليائه من حيث لا يحتسبون وتأييده إياهم بما يعلم الناس وما لا يعلمون والله تعالى يقول: «ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شىء قدرًا»، ويقول: «ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الأرض»، إلى غير ذلك من الآيات التى تكل الأمر كله لله من قبل ومن بعد. والفُضيل بن عياض سيد الزهاد، قيل: إن سبب توبته أنه تعلق بجارية، فبينما هو يتسلق جدارًا ليصل إليها، سمع تاليًا يترنم بقوله تعالى: «ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله». فقال: بلى قد آن يا رب، اللهم إنى قد تبت إليك وجعلت توبتى مجاورة البيت الحرام.
فهل لنا أن تتغير نفوسنا بهذا الوحى الربانى، والوعد القرآنى، والتنزيل السماوى، فنكون بما فى يد الله أوثق منا بما فى يد أنفسنا؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
النعماني
مقال ظريف
مقال ظريف.
شكراً
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد بدر نصار ...
سلمك يداك يا دكتور
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتورة لميس الصايغ(باحث فى تطوير المدن)
كلام جميل ولكن...
عدد الردود 0
بواسطة:
حنفى
جزاك الله خيرا