ليس الكذب خصلة مستحبة أو مصادق عليها من النظام القيمى والأخلاقى فى أى مجتمع.
والكذب فى الشهر الفضيل -على الأخص- مرفوض، مدموغ، موصوم على نحو لا يسمح بتمريره، وفسحه، والتشاغل أو التعامى عنه.
وفى سياق مقال اليوم، أتعرض لبعض تجليات الكذب السياسى النشطة فى اللحظة الراهنة والتى تؤثر على مصداقية المشهد وعقلانيته. إذ نعرف ضمن ما تعلمناه فى علوم الاجتماع السياسى أن هناك سمات هى متغيرة بطبعها، هى national-character الشخصية الوطنية وتختلف بتغير عناصر المحيط السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى من وقت إلى آخر.
يعنى كنا نقول من سمات الشخصية الوطنية أن المصرى محب للأرض، وأن محمد أبو سويلم فى رائعة عبدالرحمن الشرقاوى تمسك بأرضه منشباً أظافره فيها، ولكن الظروف الاقتصادية غيرت ذلك الملمح فصار المصرى محباً للهجرة.
وكنا نقول إن المصرى محب للفكاهة ومنتج لها، فبات -الآن- غير متسامح إزاء تلك الفكاهة، لا يقبلها ولا يستسيغها، وأصبح إنتاجه black-humour إلى الكوميديا السوداء من النكات أقرب أو إلى الفكاهة العبثية التى تعتمد إرباك النطق بالدرجة الأولى. ومن ضمن الأساطير التى أشعناها عن الشخصية الوطنية «استلهاماً من مراحل تاريخية سابقة» أن المصرى طيب، ومسالم، ويكره العنف.
وإن كان ذلك الوصف صحيحاً فى زمن غابر قديم، فإنه مع تغير المحيط أو الظروف لم يعد دقيقاً فى جملته أو تفصيله، إذ إن نظرة واحدة إلى الساحة العامة فى مصر -الآن- تقول بأننا صرنا شعباً ينزع إلى الإيغال فى العنف، وتتلبسه مشاعر الكراهية، والسوداوية، والتصنيع النشط للمرارات والحزازات على نحو غير مسبوق.
تعددت حوادث قتال الشوارع فى الموسكى، وبولاق، وشارع عبدالعزيز، والأرياف، والعريش، ولم أجد لأحدها- باستثناء العريش- سبباً سياسياً يمكن نسبته- كالتقليد السائد- إلى ما يسمى فلول النظام القديم أو بقاياه.. وإنما كانت موضوعات الشجار أو القتال هى تزاحم فى سبيل الرزق، أو إحياء لصراعات عائلية قديمة، أو السرقة، أو البلطجة فى المطلق.
المهم أن اللحظة الراهنة، خلقت بيئة مثالية لتلك الصدامات المسلحة، التى استخدمت فيها البنادق الآلية، ونصف الآلية، والسلاح الأبيض، ومدافع الجرينوف المثبتة على عربات كروز، وزجاجات المولوتوف الحارقة، وضبطت خلالها مدافع وطلقات الآر. بى. جى.
العنف- مع كثير الأسف- صار ملمحاً سائداً فى الحياة العامة، وبخاصة بعد ما رافقه انفلات أمنى غير مسبوق، وغياب أو تضرر لحضور معنى القانون والنظام بين الناس، وعلى نحو جعل عبارة: «الثورة طلعت أحلى ما فينا» مثاراً لتشكك بعض الذين رأو أن الثورة أخرجت- بالفعل- أحلى ما فينا لحظة تفجرها، وفى الأسابيع القليلة التى تلتها، ولكنهم أدركوا- كذلك- أن العنف والكراهية المتبادلة ظهرا، وطلعا، وسيطرا على مشاعر الناس وسلوكاتهم فى الأسابيع والشهور التالية.
الكذب لم يشمل فقط هذا السمت أو ذاك من عناصر الشخصية الوطنية، ولكنه امتد إلى خطاب كل من الفرقاء السياسيين والثوريين، وفى هذا السياق تهاتفت والصديق الأستاذ عصام سلطان المحامى نائب رئيس حزب الوسط، فى أعقاب جمعة 28 يوليو المعروفة باسم: «لم الشمل» والتى شهدت ظهوراً إسلامياً كبيراً، لأناقشه فى تكذيب بعض الائتلافات والتيارات للإسلاميين، والادعاء عليهم بعدم الوفاء بعهود ما قبل تلك الجمعة، فأجابنى الأستاذ عصام: التيار الإسلامى أوفى بعهوده حين ردد أفراده شعارات الثورة المتوافق عليها، والمحتوية والمتضمنة مطالب الشباب، ولكن لم يك هناك توافق أو عهود ألا يردد الإسلاميون شعارات أخرى، حين هتفوا بشعارات إسلامية.. ذلك لا يعد خرقاً لعهد، والادعاء عليهم بعكس ذلك هو محضن كذب.
وأضاف الأستاذ عصام سلطان: «البلد كله -يا دكتور عمرو- أمضى ثلاثة أسابيع من الرعب حين أغلق الذين يهاجموننا -الآن– مجمع التحرير، وجلدو الناس عرايا على النخيل، وأغلقوا طريق العين السخنة، ولوحوا بتعويق الملاحة فى قناة السويس، واختتموا بالمسيرة غير المفهومة إلى المجلس العسكرى فى محاولة غريبة لاستفزاز الجيش، ثم هم يدعون الآن أن بعض الهتافات هى ترويع للناس.. هذا كذب، فهم الذين قاموا بترويع الناس».
ولا تقتصر محاولات اعتقال الحقيقة على النسقين السابقين، ولكنها تمتد إلى الادعاء بالكذب على القوات المسلحة سواء بالتواطؤ أو التباطؤ مع الرئيس السابق، ورموز نظامه، وهو ما ثبت كذبه وبطلانه –تماماً– صباح الثالث من أغسطس الجارى يوم محاكمة مبارك ونجليه والعادلى والقادة الرئيسيين لوزارة الداخلية، حين شهدت مصر وقائع قضائية وقانونية لم تشهدها على مر تاريخها، بما جعل تلك المقولات والاتهامات الكاذبة التى ألقاها البعض على عواهنها من دون تقدير، تبدو كأنها شيئاً مفتعلاً خارج السياق، استهدف أغراضاً غير تلك التى أعلنها أصحابه.
وللأسف الشديد فإن مما يدخل نطاق صناعة الكذب المزدهرة فى المشهد الراهن، ذلك التغنى المبتذل بمحبة مصر فى حين يأتى أصحاب ذلك الشدو اللزج المصطنع أعمالاً فيها من إعاقة مصر وضرب مقدراتها، والتعسف إزاء إرادة شعبها وناسها، وكسر نفوسهم، وتعظيم الإحباط فى قلوبهم، ما يتنا قض كلية مع ادعاء محبة مصر، وعشق ترابها، وشمسها، ونيلها، وهرمها، ورملها.
من يحب مصر يعمل لأجل بناء مستقبلها، ولذلك نحن نصدق الجيش كمؤسسة وكأفراد، لأنهم رجال أوفوا بالعهود، ويقودون البلد نحو مستقبل ديمقراطى عصرى جديد، ولا نصدق آخرين يجذبوننا عنوة إلى الماضى، أو يعملون على اعتقالنا فى مستنقع رمال الحاضر المتحركة، الذى لا يسمح لنا بالانتقال خطوة واحدة إلى الأمام.
الكذب على الوطن أو عن الوطن نقيصة ينبغى أن نقلع عنها إذا أردنا بناء جديداً يليق بنا، ونليق به!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حليم
هو الراجل دة بيتكلم لية
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن صائم
انا صايم ، لكن مش غريبة شوية الكلام ده منك ؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
عمر سعيد
أحسن لك
عدد الردود 0
بواسطة:
السيد غالى
حالة حوار
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد السقا
الامل
عدد الردود 0
بواسطة:
ثائر الجندى
حليم صائم عمر غالى
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام عبدالشافي
حسبي الله ونعم الوكيل
عدد الردود 0
بواسطة:
حمام
الكاتب : عمرو عبد السميع
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد
فين أنت ياراجل
عدد الردود 0
بواسطة:
صلاح عبدالرحمن
شبابك يا مصر أضرب به المثل