أفكر كل يوم، وأنا أقرأ الصحف، أو أتابع برامج الفضائيات أن أمتشق قلمى، وأكتب تصحيحًا لما أقرأه أو أسمعه من أخطاء فى المعلومات التاريخية أو الفكرية، وأحيانا اللغوية، وأرسله إلى صاحب الشأن لينشره أو يذيعه، أو على الأقل ليقوم - بشكل مباشر أو غير مباشر - بتصحيح المعلومات الخاطئة التى وردت فى صحيفته أو برنامجه، بعد أن أصبحت الصحف والبرامج والمسلسلات مصدرًا رئيسيا، وأحيانا وحيدًا للثقافة السياسية والفكرية والتاريخية واللغوية، للعوام وأشباه العوام، وللمثقفين وأشباه المثقفين، مما يفرض عليها أن تدقق فيما تنشره من معلومات، وأن تتثبت من صحتها قبل نشرها، وأن تصحح ما قد تقع فيه من أخطاء، حتى لا تشيع بين الناس.. فتنشر الجهل.. بدلًا من نشر العلم.
ومع أن بعض هذه الأخطاء، كان يستفزنى، إلا أن كثرتها وتكرارها وانتشارها المفزع فى معظم الصحف والفضائيات، وصمت الجميع عليها، حال بينى وبين تنفيذ رغبتى، إذ وجدت أننى لو صححتها، لما وجدت وقتا لأفعل أى شىء آخر.
أما الذى أغاظنى جدا هذا الأسبوع، فهو خطأ أصبح شائعًا، على لسان مقدمى البرامج ومعدى التقارير الإخبارية التليفزيونية، الذين أصروا فى تغطيتهم لوقائع محاكمة الرئيس السابق، يوم الأربعاء الماضى، على وصف هذا اليوم، بأنه «ذلك اليوم التاريخى» الذى تشهد فيه مصر «تلك المحاكمة التى لم يسبق لها مثيل»، لمثل «أولئك» المتهمين.. وهو ما كشف عن أن معظم الشاشات المصرية، تعانى من مشكلة متوطنة مع اسم الإشارة، الذى تعلمنا فى دروس اللغة العربية فى المدرسة الابتدائية، أن نميز فى استخدامه بين الإشارة للقريب والإشارة للبعيد، وأن «هذا» و«هؤلاء» يستخدمان للإشارة للقريب، فى حين أن «ذلك» أو «أولئك»، يستخدمان للإشارة للبعيد، ولأن المحاكمة كانت تجرى فى اليوم نفسه، فالصحيح أن يقال «هذا (وليس ذلك)، و(ليس أولئك) المتهمين».
وكان يمكن أن أتغاضى عن هذا الخطأ، وأن أتعايش معه، كما نتعايش جميعًا مع أخطاء وأكاذيب وادعاءات لا حصر لها، لولا أن الطوبة جاءت فى المعطوبة، فى اليوم التالى حين فوجئت بحلقة من برنامج «الحقيقة» - الذى يقدمه الزميل «وائل الإبراشى» - على شاشة «دريم» - تناول موضوع تجسيد الشخصيات الدينية المقدسة، بمناسبة الخلاف الدائر الآن، حول مسلسل «الحسن والحسين»، وفى أثناء المناقشة ذكر أحد الضيوف، وهو من علماء الأزهر، أن الأزهر سبق له أن حسم هذا الموضوع، بعد أن نشر «طه حسين» كتاب «الفتن الكبرى» الذى يتناول التاريخ لنفس الحقبة التى يتناولها مسلسل «الحسن والحسين»، إذ ما كاد الكتاب يصدر حتى قُدم «د.طه حسين» للمحاكمة أمام هيئة كبار العلماء، التى قررت فصله منها بسبب تأليفه هذا الكتاب لأنه أساء فيه إلى الصحابة.
وكان واضحا لكل من له إلمام بالواقعة، أن المتحدث قد خانته الذاكرة، أو أنه نقلها عن واقعة شفاهية، ولم يعن بتدقيقها، لأن طه حسين، لم يكن عضوًا فى أى يوم من الأيام بهيئة كبار العماء، بل إنه لم يتخرج فى الأزهر أصلًا، إذ تعمد شيخ الأزهر آنذاك، أن يسقطه فى امتحان العالمية، بسبب الانتقادات العنيفة التى كان يوجهها إلى الأزهر فيما كان ينشره آنذاك من مقالات فى الصحف. وفى أعقاب ذلك تفرغ «طه حسين» لدراسته فى الجماعة المصرية، التى حصل منها على الليسانس ثم الدكتوراة قبل أن يسافر إلى فرنسا، ليحصل منها على دكتوراة أخرى.
والغالب أن المتحدث قد خلط بين «طه حسين»، الأستاذ بكلية الآداب بالجامعة المصرية، وكتابه «الشعر الجاهلى» الذى صدر عام 1926، وبين الشيخ على عبدالرازق، القاضى الشرعى بمحكمة المنصورة الابتدائية، وكتابه «الإسلام وأصول الحكم» الذى صدر عام 1925، اللذين أثارا ضجة عنيفة عند نشرهما أسفرت عن التحقيق مع على عبدالرازق أمام هيئة كبار العلماء بتهمة القول بأن الشريعة الإسلامية هى شريعة روحية محض لا علاقة لها بالحكم فى أمور الدنيا، وانتهت إلى قرار بإخراجه من زمرة العلماء ومحو اسمه من سجلات الجامع الأزهر، وطرده من كل وظيفة وقطع رواتبه فى أى جهة وأسفرت عن تقديم طه حسين إلى النيابة العامة بتهمة التشكيك فى نبوة «إبراهيم» و«إسماعيل»، فحفظت التحقيق وأعاد طه حسين تنقيح كتابه ونشره باسم «الأدب الجاهلى».
تلك هى الحقائق التاريخية التى تؤكد أنه لا صلة لكتاب «الفتنة الكبرى» الذى كُتب عام 1947 بمحاكمة طه حسين، والتى لم يحاول «وائل الإبراشى» أن ينفيها أو أن يتثبت هو أو أحد من ضيوفه الآخرين من الضيف الذى أذاعها عن المصدر الذى يستند إليه فى روايتها، وكانت النتيجة أن أعاد ضيف آخر، فى برنامج آخر يقدمه عبدالرحمن يوسف، فى قناة c.b.c رواية الواقعة فى حلقة عن الموضوع نفسه، أذيعت فى اليوم التالى مباشرة، من دون أن يحاول مقدم البرنامج أو أحد ضيوفه الآخرين تفنيد الواقعة أو التثبت من صحتها.
وكان منطقياً أن يصدق أحد كتاب جريدة «الوفد» الواقعة، وأن يمتشق قلمه، ويكتب مقالات عن مسلسل «الحسن والحسين» يستهل بروايتها من دون أن يذكر مصدرها.
ورحم الله الكاتب الكبير «مصطفى أمين» الذى كان أول من أنشأ عام 1952 قسما للمعلومات يضم عدداً من أساتذة الجامعات فى مختلف التخصصات لكى يراجعوا كل مقالات جريدة الأخبار للتأكد من أنها لا تتضمن معلومات خاطئة، بما فى ذلك مقالات كاتب موسعى مثل عباس محمود العقاد، كان شديد الاعتداد بثقافته والثقة فى معلوماته حتى فيما ليس هو متخصص فيه، ففى إحدى جلسات المجمع اللغوى، الذى كان عضوا به، وفى أثناء مناقشة حول البحث عن بديل عربى لإحدى مصطلحات الجيولوجيا، قال أحد الأعضاء: «احنا عندنا فى الجيولوجيا»، فقاطعه العقاد قائلاً: «عندكوا ايه يا حمار.. أنت عاوز تقول لى إنك بتفهم فى الجيولوجيا أكثر منى».
وما أكثر الذين يفهمون فى الجيولوجيا أكثر من العقاد هذه الأيام على صفحات وشاشات إعلامنا.
عدد الردود 0
بواسطة:
د. محمد الأزهري
أتأمرون الناس بالبر؟!!
عدد الردود 0
بواسطة:
زهراء
د محمد الازهري انت انسان محترم
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس محمد عبدالمجيد
ههههههه
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس محمود القصراوى _طنطا_محب لكل من نطق الشهاده_ولكل المصريين
بسم الله الرحمن الرحيم
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف حماد
محمد الأزهرى جيولوجى
عدد الردود 0
بواسطة:
قارئ
نعم الجواب
افحمه
عدد الردود 0
بواسطة:
حارس
جوهر الموضوع
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الدين احمد كامل
وهل عباس العقاد جيولوجي
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الدين احمد كامل
وهل عباس العقاد جيولوجي
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الدين احمد كامل
وهل عباس العقاد جيولوجي