لم يأت اللقاء الذى نظمه عدد من القيادات البارزة فى جماعة الإخوان المسلمين الأسبوع الماضى مع وفد من المستثمرين الأمريكيين والأستراليين كحدث عابر فى ظل الأحداث العديدة والساخنة التى تشهدها مصر حاليا، سواء على الصعيد السياسى أو الاقتصادى، وإنما يحمل فى طياته العديد من الرسائل والإشارات التى بنى عليها بعض الخبراء والمحللين الاقتصاديين وحتى السياسيين رؤية واضحة بشأن وضع جماعة الإخوان فى مصر بعد الثورة، خاصة على الصعيد الاقتصادى.
وتوقع الخبراء والمحللون الاقتصاديون، فى تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط أن يزداد نفوذ الإخوان المسلمين فى الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة، بعد نجاح ثورة 25 يناير فى القضاء على الفساد السياسى والاقتصادى الذى ساد خلال العقود الماضية، وأن تتاح لهم الفرصة بعد إزاحة رموز النظام السابق، والذين كانوا يقفون فى مواجهة تغلغل الإخوان فى الاقتصاد.
وقال الخبراء إن النظام السابق لم يكن يترك للإخوان فرصة التوسع فى أعمالهم، وجعلهم ينكمشون فى مشروعات اقتصادية معينة، مشيرين إلى أن النظام السابق كان يحارب أى ظهور للإخوان أو الإسلاميين بشكل عام على المستوى الاقتصادى.
يقول الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، وأنه طالما يسعى الإخوان لدور سياسى كبير فى المجتمع المصرى بعد الثورة فمن المؤكد أنهم سيضعون الشأن الاقتصادى فى قمة أولوياتهم. وتوقع توغل الإخوان فى الشأن الاقتصادى على مراحل، مشيرا إلى أن تركيزهم الحالى ربما يكون على الانتخابات البرلمانية المقبلة، فى محاولة لحصد أكبر مكاسب، ثم انتخابات المحليات، ليتفرغوا بعدها للجانب الاقتصادى، سواء الاقتصاد الكلى من خلال المساهمة فى وضع سياسات اقتصادية للدولة، وهو ما يظهر بشكل واضح فى برنامجهم الاقتصادى أو تنشيط وزيادة فاعليتهم من خلال المشاركة الاقتصادية.
وقال إن مصر بعد الثورة باتت مليئة بتيارات عديدة وأحزاب متنوعة وطوائف متشعبة، ولا تجد بين كل ذلك فئة منظمة ولها سياسات واضحة إلا جماعة الإخوان المسلمين، خاصة فى ظل ضعف وهشاشة الأحزاب القديمة وعدم خبرة التيارات الجديدة .
وأشار إلى أن الأطراف الوحيدة التى تعد منافسا محتملا للإخوان على المستوى الاقتصادى تتمثل فى المستقلين، أو بمعنى أكثر وضوحا رجال الأعمال المنتمين إلى الحزب الوطنى المنحل.
ولفت إلى أن تواجد الإخوان المسلمين على الساحة الاقتصادية جاء بشكل غير مباشر منذ عقود عديدة، من خلال شركاتهم ونشاطهم الاقتصادى الخاص بهم، وخاصة قطاعات التجزئة والصرافة والعطارة وغيرها، متوقعا احتمال توسع الإخوان فى صناعات إستراتيجية مثل الحديد والصلب والاسمنت والسيراميك والألومنيوم والتعدين وغيرها بعد ثورة 25 يناير.
وطالب عبده جماعة الإخوان المسلمين بتوضيح برنامجهم الاقتصادى مبكرا، حتى يتمكن المجتمع من معرفته وتقييمه، متوقعا انتعاش النشاط الاقتصادى الإسلامى مثل البنوك والصيرفة الإسلامية.
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادى أشرف محمود، إن البرنامج الاقتصادى للإخوان قد يستهدف القطاعات الاقتصادية بشتى أنواعها، خاصة الخدمية والعقارية والبورصة والتجارة الداخلية والخارجية والاستثمار فى القطاعات الحيوية أيضا مثل السياحة والصحة والمستشفيات والذهب، فى محاولة للاقتراب والاختلاط بشكل مباشر مع المجتمع. ويرى أن القدرة المادية للإخوان لا يمكن مقارنتها بالملاءة المالية الضخمة لرجال أعمال الحزب الوطنى المنحل، الذين يتمتعون بقدرات مالية كبيرة ومصادر تمويل مختلفة، ما قد يعرقل نسبيا توجه الإخوان نحو المشروعات الاستراتيجية والكبرى والصناعات ذات التكلفة المرتفعة التى يهيمن عليها رجال الأعمال المنتمين للحزب الوطنى المنحل.
وتوقع أن يعطى رجال أعمال الإخوان المسلمين الأولوية لتعزيز تواجدهم فى الشارع من خلال المشروعات القومية الكبرى والتركيز على اقتصاد الفقراء، المتمثل فى صناعات الدواء والصحة والعلاج والأغذية ومعارض السلع والمنتجات المدعومة على مستوى الجمهورية.
وشدد على أن القدرات التنظيمية التى يتميز بها الإخوان المسلمون ستجعلهم أكثر قدرة على الانتشار والتوغل فى الاقتصاد المصرى، متوقعا أن ينتشر نموذج سلسلة متاجر "التوحيد والنور" من قبلهم ، وبروز دورا المرأة فى أنشطة الجمعيات الخيرية.
وقال الدكتور عمر عبد الفتاح الخبير الباحث الاقتصادى المتخصص فى شئون الإخوان المسلمين، إن الإخوان كأحد الأيديولوجيات الموجودة فى الشارع المصرى سيكون تركيزها الأكبر على العديد من القضايا التى تتفق عليها كل الأيديولوجيات بغض النظر عن انتماءاتها، مثل قضايا البطالة والعدالة الاجتماعية والتنمية.
وأضاف أن رجال الأعمال المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين كانوا فى السابق يركزون على البعد الربحى والأنشطة الاستهلاكية فى أعمالهم التجارية، نظرا للتضييق عليهم من قبل النظام السابق، متوقعا أن يتصدر الجانب التنموى والاجتماعى والأنشطة الخدمية توجهاتهم فى الفترة المقبلة، مع الاهتمام فى ذات الوقت بالصناعات كثيفة العمالة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تجذب عمالة كثيفة مساهمة منهم فى علاج أزمة البطالة.
ويرى أن جماعة الإخوان قد تحدث تحولا جذريا فى علاقات مصر الاقتصادية الخارجية، وذلك من خلال التحول من التبعية لأمريكا وأوروبا إلى الشراكة مع دول المنطقة، خاصة القوية منها مثل تركيا وإيران والدول العربية والأفريقية. وقلل من المخاوف التى ترددت مؤخرا بشأن احتمال تأثر السياحة كمصدر رئيسى للدخل القومى بمصر حال وصول الإخوان إلى السلطة، بل إنه لم يستبعد احتمال تشييد رجال أعمال ينتمون إلى الإخوان لفنادق على ضفاف النيل فى إطار ما يسمى "النموذج الإسلامى للسياحة".
وفيما يتعلق بالمخاوف بشأن خروج استثمارات أجنبية من السوق المصرية حال وصول الإخوان إلى السلطة؛ قال إن رؤوس الأموال المتوقع تدفقها من جانب دول عربية وإسلامية سوف تعوض انسحاب بعض الاستثمارات الغربية.
وتوقع عبد الفتاح حدوث طفرة فى أنشطة الاقتصاد الإسلامى وخاصة القطاع المصرفى باعتباره أحد أهم القطاعات الاقتصادية، لافتا إلى أن عددا من قيادات الإخوان المسلمين الحاليين كانوا مصرفيين بارزين فى السابق، ومن بينهم القيادى خيرت الشاطر، الذى كان عضوا فى مجلس إدارة المصرف الإسلامى الدولى، ويوسف ندا، الذى كان عضوا فى مجلس إدارة بنك فيصل الإسلامى.
وأشار إلى أن النموذج المصرفى الإسلامى أثبت فاعليته خلال الأزمة المالية العالمية، لافتا فى الوقت نفسه إلى أن مصر يوجد بها العديد من البنوك الإسلامية غير المفعلة بالشكل الذى يليق بها، مثل بنك فيصل والبركة والوطنى للتنمية والمصرف المتحد، والتى يمكن أن تلعب دورا محوريا فى التنمية الاقتصادية بمصر.
وحول رؤيته فيما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين قد تسعى للاستحواذ على أحد البنوك فى مصر، قال إن هذا التوجه موجود لدى الجماعة سواء بالاستحواذ على أحد البنوك أو تأسيس بنك فى حال ما إذا سمحت القوانين المصرية بذلك، وبالنسبة لسوق المال ورؤية الإسلاميين له.. قال عبد الفتاح إن أهم الآليات التى ستؤدى إلى إحداث نقلة فى مستقبل سوق المال تتمثل فى إصدار الصكوك الاسلامية، مشيرا إلى أن قانون إصدار الصكوك الإسلامية الموجود حاليا فى هيئة الرقابة المالية سوف يسهم - حال إقراره - فى توفير التمويل لمشروعات التنمية ودعم الاقتصادى المصرى.
وقال إن الفترة الماضية شهدت مضايقات وتعقيدات فى مسألة إدراج شركات مملوكة لرجال أعمال منتمين لجماعة الإخوان فى البورصة المصرية وتداولها، مشيرا إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد توسعا فى قيد مثل هذه النوعية من الشركات فى البورصة.
ويرى مجاهد على، الباحث المتخصص فى شئون الإخوان المسلمين أن جماعة الإخوان لديها القدرة على جذب استثمارات من الدول العربية والإسلامية نتيجة علاقاتها الجيدة مع دول الخليج، لاسيما الكويت والإمارات والسعودية بجانب تركيا وإيران، لافتا إلى أن رجال أعمال من جماعة الإخوان المسلمين وقعوا مؤخرا اتفاقات شراكة مع مستثمرين أتراك للاستثمار فى مصر فى قطاعات صناعة الجلود والملابس.
وأن "الجماعة" ربما تواجه مشكلة مؤقته فى الفترة الحالية وهى ضرورة إعادة بناء قدراتها الاقتصادية بعد التجميد الذى أصابهم فى ظل النظام السابق لتعظيم الاستفادة من مصادر تمويلها بالشكل الأمثل.
خبراء: نفوذ "الإخوان" الاقتصادى يزداد بعد الثورة..ورجال الحزب الوطنى المنحل عائق أمام السعى نحو المشروعات الكبرى
الإثنين، 01 أغسطس 2011 11:44 م