أكرم القصاص - علا الشافعي

بسمه موسى

المال والديمقراطية والفقر والغنى

الإثنين، 01 أغسطس 2011 09:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من المفروض أن يكون فى إمكان الحكومة الديمقراطيّة معالجة الإفراط والانحراف الذى ينشأ فى اقتصاد السوق الحرّ (Market Economy). لكن التّنافس السّياسى يجعل القيام بهذه المسئوليّة مستحيلاً من الوجهة العمليّة، فالتّنافس السّياسى يحتاج إلى المال، وهذه الحاجة تتفاقم مع تتابع الأجيال، لا يوجد مَنْ يتنافس فى الحملات الانتخابيّة إلاّ مَنْ كان لديه السند المالى المباشر أو غير المباشر من أغنى العاملين فى السوق الاقتصادى، وما هؤلاء سوى المنتفعين من الإفراط الذى ينشأ فى ذلك السوق. هناك مجهود لإصلاح ذلك الخلل، ولكن أصل المشكل يوجد فى التّنافس السّياسى نفسه. لأن عمليّة الانتخابات قائمة على أساس كسب "مباراة"، لابد لفريق من كسب التبارى فى جمع الأصوات، ولكسب المباراة لابد من المال. هنا نجد أن العلاقة بين الحكومة والسوق تأخذ نمطا عكس المطلوب. فبدلاً من أن يخضع السوق لتحكيم الحكومة المسئولة، نجد الحكومة هى الخاضعة لمؤشرات ومطالب السوق. لا يمكن إصلاح هذا الخلل ما دامت السّياسة مبنية على التّنافس. وبقدر ما يبذل من مجهود لسد قنوات انهمار الأموال فى عمليّة الانتخابات، بقدر ما تفتّح قنوات جديدة للالتفاف حول القواعد والقوانين.

مشكل الأثر السلبى الناتج من المال فى التّنافس السّياسى، هو السبب الرئيسى للاتّساع الحاصل فى الفرق بين الغنى والفقر المتفشى فى عالم اليوم غرباً وشرقاً. فالاتّساع فى الفارق بين الغنى والفقر ليس نتيجة اقتصاد السوق الحرة فى حدّ ذاته، بل نتيجة اقتصاد التّنافس السّياسى المقترن به، لأنّه عن طريق الاقتصاد السّياسى يتمكن "اللاعبون" فى السوق الأكثر ثراءً من تحديد الإطار الذى يوفّر لهم إمكانيّة جمع الثروة، هذا الإطار يحتوى على نظم لقوانين الملكيّة، وقوانين العقود، وقوانين العمل، وقوانين الضرائب، وجميع أنواع التشريعات التى تخص البنية التحتيّة العامة، والمعونات العموميّة.

كل هذه العناصر تتكاتف لتحديد توجهات السوق. فى النّظام الديمقراطى التّنافسى، يقوم "اللاعبون" الأكثر ثراء فى السوق، مع مرور الوقت، بتحديد ذلك الإطار، نظراً إلى تأثير المال فى الصراع السّياسى، وبالتالى تزداد ثروة الأكثر ثراء فى المجتمع.

ولا تقتصر مساوئ المال فى الديمقراطيّة التّنافسيّة واقتصادها السّياسى على ما سبق، لأن إخضاع الحكم (governance) إلى نفوذ قوى السوق له مضاعفات على البيئة أيضا. ففى السوق الحرّة، تقدّر سعر التكلفة باحتساب المصاريف الدّاخليّة للإنتاج، أى باعتبار تكلفة اليدّ العاملة، وتكلفة المواد الأوليّة، وانتقاص قيم المعدّات وتكاليف صيانتها ومصاريف الطاقة. التكلفة الدّاخليّة تحدّد سعر البيع الذى يدفعه المستهلك، وسعر البيع نفسه له تأثير كبير على الاستهلاك، فعندما يكون سعر البيع منخفضاً نسبيّاً، يزداد الاستهلاك. فى غالبيّة الأحيان، نجد أن سعر التّكلفة الدّاخليّة لا يعكس حقيقة التّكلفة إذا ما أخذنا فى الاعتبار التداعيات التى يتكلّفها المجتمع والبيئة. لأنّ العديد من الصناعات تتكلّف مصاريف خارجيّة لا تدخل ضمن سعر التّكلفة لأنها ليست مصاريف إنتاج. لنأخذ على سبيل المثال، الصّناعة الملوّثة للبيئة.

إنها تولّد مصاريف باهظة على المجتمع الذى يضطر إلى معالجة تدهور الصحة العامة وإفساد البيئة الناتجة من تسويق تلك الصناعة، وهذه المصاريف الباهظة لا تدخل فى سعر التّكلفة لأنها ليست مصاريف إنتاج. إنها مصاريف يتحملها المجتمع بأسره والأجيال القادمة وحتى الحيوان والنبات. ونظراً إلى أن السوق "حرة"، أى غير مقيّدة، فإن تلك المصاريف الخارجيّة لا تؤخذ فى الاعتبار، وتبقى الأسعار منخفضة بصورة اصطناعيّة. الانخفاض الاصطناعى للأسعار يساعد على تضخم فى استهلاك السلع الأكثر تلوثاً للبيئة والأسوأ أثراً على المجتمع. لذلك أصبح من الصعب أن يتحمّل العالم "السوق الحرة" أو "اقتصاد السوق الحرّة"، إن لم يتم تقييده من طرف الحكومات بطريقة مدقّقة وحكيمة تأخذ فى الاعتبار تلك المصاريف الخارجيّة. ولكن للأسف، رأينا فيما سبق ذكره أن الأسواق ليست مقيّدة بطريقة حكيمة فى النظام السّياسى التّنافسى، لأن النظام يجعل القرارات السّياسية خاضعة لتأثير السوق. فالسوق هى التى تقيّد الديمقراطيّة التّنافسيّة وليس العكس كما يجب أن يكون.

وفى نهاية الأمر، فإن المصاريف الاجتماعية والبيئيّة الناتجة عن السّياسة التّنافسيّة تولّد ما يمكن أن يطلق عليه مجازاً اسم الأبارتايد (apartheid) البيئى أو العنصريّة البيئيّة وما ينتج عنها من مظالم، لأن الفئات الفقيرة، والأقليّات العرقيّة، والنساء هم الذين يتحملون أعباء تداعى البيئة ومساوئها، إذ إنّهم فى الغالب يعملون ويسكنون فى المناطق الأكثر عرضة للمخاطر الصحيّة الناتجة عن تدهور البيئة. فالبيئة التى لا يقبلها المتيسر الحال قريبة من مسكنه، نجدها أو أسوأ منها هى بيئة المجموعات الهامشية اقتصاديّاً واجتماعيّاً، هؤلاء هم الذين يدفعون الجزء الأكبر من المصاريف الخارجية لتدهور البيئة التى لم تؤخذ فى الاعتبار عند احتساب سعر التّكلفة للمنتجات الصناعيّة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرية مسلمة وسطية

الى السيدة بسمة موسى

عدد الردود 0

بواسطة:

ماهر

إلى رقم 1

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرية مسلمة وسطية

انا مش بروجلها نهائى .

عدد الردود 0

بواسطة:

نوبى ابراهيم

مقالة رائعة من كاتبة محترمة

مقال جيد و منطقى جدا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة