أثار نبأ اختيار المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2013، ردود أفعال العديد من المثقفين، الذين رأوا أن المدينة المنورة لا تملك مدراس فكرية فقهية، ولم تنجب للثقافة العربية مفكرين كما أنجبت بعض الدول العربية التى تم اختيارها عاصمةً للثقافة الإسلامية، ولكنها حضورها اقتصر فى نفوس المسلمين على أداء الشعائر الدينية فى الحج والعمرة، ولم تحافظ على القيم التى تجسدت فيها عندما هاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتى كان بإمكانها أن تغير وجه العالم العربى والإسلامى.
الناقد الدكتور صلاح فضل، قال إن المدينة المنورة لها فى نفوس المسلمين قيمة رمزية كبيرة باعتبارها أول حاضرة لدولة الإسلام، والمدنية التى شهدت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإقامة أول مجتمع متحضر يعتمد على التعايش السلمى بين الأديان والتحالف الأخوى بين الفقراء المعدمين المهاجرين والأنصار المقيمين فى شكلٍ أولى من الاشتراكية والمحبة والإيثار لم يكن يتنازل فيها الأنصارى المقيم عن ماله فحسب بل كان يقتسم حتى نسائه مع أخيه المعدم المهاجر، ولكن أين هذه القيم الآن من المجتمعات التى تطفح بالثراء مثل السعودية وتترك مجتمعات أخرى معدمة مثل الصومال.
وأضاف فضل أن هذا الاختيار الذى تتنقل به العواصم الإسلامية كل عام من مدينة إلى أخرى يتم بشكل روتينى ولا يترتب عليه أى أنشطة فعالة فى المجال الفكرى أو الثقافى أو الإنسانى، هى فقط ثمة احتفالات شكلية لا طائل ورائها ولو كانت تتحول إلى مهرجانات حقيقية تقام فيها المؤتمرات واللقاءات وتقعد فيها الندوات لأصبحت ذات جدوى ويكفى فقط أن كل مدينة من هذه المدن يمكن بعث تاريخها والحفاوة بما خرج منها من إعلام وما عاش بين جنابتها من مظاهر حضارية سواء كانت تتعلق بالكتاب أو العمارة أو الموسيقى أو غير ذلك.
من جانبه قال الكاتب عمار على حسن الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إنه لا شك وأن المدينة المنورة مقدسة باعتبارها المكان الذى احتضن أول تجربة اجتماعية إسلامية متكاملة، وكونها البلد الذى كان فيه من نصروا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضًا البلد الذى انطلقت منه الدعوة الإسلامية إلى آفاق العالم كله.
وأضاف عمار، أنه من المعروف أن المدينة لم تقدم ما كان عليها أن تقدمه، فلم تتحول إلى منارة من المعرفة الإسلامية ولم يوجد بها مدرسة حقيقية لتجديد الفقه الإسلامى الذى يدفعه إلى مواكبة الواقع، ولكنها – المدينة - كما استلمت كأغلب المدن السعودية لفقه قديم لم يعد يلائم العصر.
وقال الشاعر والمترجم رفعت سلام، إن المدينة تم اختيارها للثقافة الإسلامية كانت مدينة تلمسان الجزائرية، ولهذه المدينة دور ثقافى فى التاريخ العربي، فأنجبت مفكرين ومدارس فكرية وكانت مركزًا للغرب الإسلامى كله، أما المدينة المنورة فحضورها فى التاريخ العربى الإسلامى مقتصر على مكانتها الدينية لدى المسلمين وربما لا يتذكرها المسلمون إلا فى شعائر الحج والعمرة، أما المكانة الثقافية والفعالية التاريخية فهى غير موجودة.
وأضاف سلاَّم: كما أننا لم نسمع عن مدارس ثقافية أو فكرية نشأت فى المدينة المنورة، وليس هناك من مفكرينا العرب من أنجبته المدينة المنورة فيما بعد صدر الإسلام، وبالتالى فهذا الاختيار الثقافى ربما جانبه الصواب وكان الأولى أن يتم اختيار مدينة أخرى لها مثل هذا الدور والفعالية فى التاريخ العربى مثل فاس أو مكناس فى المغرب أو فى أحدى المدن اليمنية وهناك الكثير من المدن العربية المحيطة بالجزيرة العربية أولى بهذا الاختيار، ولعبت هذه المدن دورًا فى الثقافة العربية كالكوفة التى قدمت مدارس فى اللغة والنحو والنقد شأنها شأن البصرة، ولكن ربما هو الضغط السعودى على القائمين بهذا الأمر هو الذى لعب دروًا فى اختيار المدينة المنورة عاصمةً للثقافة الإسلامية لا أكثر ولا أقل.